الباحث القرآني

ذَكَّرَ أَهْلَ الْكِتَابِ قِصَّةً عَرَفُوهَا فِي التَّوْرَاةِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الَّذِي أُوتِيَ الْآيَاتِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ بَلْعَامُ بْنُ بَاعُورَاءَ، وَيُقَالُ نَاعِمٌ [[في ع وز وى: بلعم. وفي ز: ويقال: بلعم. وفي ى: ويقال: باعر.]]، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي زَمَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ بِحَيْثُ إِذَا نَظَرَ رَأَى الْعَرْشَ. وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا" وَلَمْ يَقُلْ آيَةً، وَكَانَ فِي مَجْلِسِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ أَلْفَ مِحْبَرَةٍ لِلْمُتَعَلِّمِينَ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ عَنْهُ. ثُمَّ صَارَ بِحَيْثُ (إِنَّهُ [[من ع.]]) كَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَّفَ كِتَابًا (فِي [[من ع.]]) أن "ليس للعالم صانع". قال مالك ابن دِينَارٍ: بُعِثَ بَلْعَامُ بْنُ بَاعُورَاءَ إِلَى مَلِكِ مَدْيَنَ لِيَدْعُوَهُ إِلَى الْإِيمَانِ، فَأَعْطَاهُ وَأَقْطَعَهُ فَاتَّبَعَ دِينَهُ وَتَرَكَ دِينَ مُوسَى، فَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ. (رَوَى [[من ع.]]) الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ بَلْعَامُ قَدْ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ، [[قوله: أوتى النبوة. فليتأمل كيف يؤتى النبوة ثم يضل فإنه مناف لعصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.]] وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، فَلَمَّا أَقْبَلَ مُوسَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُرِيدُ قِتَالَ الْجَبَّارِينَ، سَأَلَ الْجَبَّارُونَ بَلْعَامَ بن باعوراء أن يدعوا عَلَى مُوسَى فَقَامَ لِيَدْعُوَ فَتَحَوَّلَ لِسَانُهُ بِالدُّعَاءِ على أصحابه. فقيل له في ذلك، لَا أَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا تَسْمَعُونَ، وَانْدَلَعَ لِسَانُهُ عَلَى صَدْرِهِ. فَقَالَ: قَدْ ذَهَبَتْ مِنِّي الْآنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ وَالْحِيلَةُ، وَسَأَمْكُرُ لَكُمْ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ تُخْرِجُوا إِلَيْهِمْ فَتَيَاتِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الزِّنَى، فَإِنْ وَقَعُوا فِيهِ هَلَكُوا، فَفَعَلُوا فَوَقَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الزِّنَى، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطَّاعُونَ فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا. وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ بِكَمَالِهِ الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ. وَرُوِيَ أَنَّ بَلْعَامَ بْنَ بَاعُورَاءَ دَعَا أَلَّا يَدْخُلَ مُوسَى مَدِينَةَ الْجَبَّارِينَ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ وَبَقِيَ فِي التِّيهِ [[التيه: موضع بين مصر والعقبة.]]. فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ، بِأَيِ ذَنْبٍ بَقِينَا فِي التِّيهِ. فَقَالَ: بِدُعَاءِ بَلْعَامَ. قَالَ: فَكَمَا سَمِعْتَ دُعَاءَهُ عَلَيَّ فَاسْمَعْ دُعَائِي عَلَيْهِ. فَدَعَا مُوسَى أن ينزع الله عنه الاسم الأعظم، فَسَلَخَهُ اللَّهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ فِي (آخِرِ [[من ج وك وهـ وى.]]) كِتَابِ مِنْهَاجِ الْعَارِفِينَ لَهُ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَارِفِينَ يَقُولُ إِنَّ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ سأل الله تعالى عن أمر بلعام وطرد بَعْدَ تِلْكَ الْآيَاتِ وَالْكَرَامَاتِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَمْ يَشْكُرْنِي يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ عَلَى مَا أَعْطَيْتُهُ، وَلَوْ شَكَرَنِي عَلَى ذَلِكَ مَرَّةً لَمَا سَلَبْتُهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ بَلْعَامُ نَبِيًّا وَأُوتِيَ كِتَابًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهُ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ، فَرَشَاهُ قَوْمُهُ عَلَى أَنْ يَسْكُتَ فَفَعَلَ وَتَرَكَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَصْطَفِي لِنُبُوَّتِهِ إِلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ طَاعَتِهِ إِلَى مَعْصِيَتِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: نَزَلَتْ فِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ قَدْ قَرَأَ الْكُتُبَ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مُرْسِلٌ رَسُولًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ هُوَ ذَلِكَ الرَّسُولَ، فَلَمَّا أَرْسَلَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ حَسَدَهُ وَكَفَرَ بِهِ. وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "آمَنَ شِعْرُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ". وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: نَزَلَتْ فِي أَبِي عَامِرِ بْنِ صَيْفِيِّ، وَكَانَ يَلْبَسُ الْمُسُوحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَفَرَ بِالنَّبِيِّ ﷺ. وَذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الْمَدِينَةَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا هَذَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ؟ قَالَ: "جِئْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ". قَالَ: فَإِنِّي عَلَيْهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "لَسْتُ عَلَيْهَا لِأَنَّكَ أَدْخَلْتَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا". فَقَالَ أَبُو عَامِرٍ: أَمَاتَ اللَّهُ الْكَاذِبَ مِنَّا طَرِيدًا وَحِيدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "نَعَمْ أَمَاتَ اللَّهُ الْكَاذِبَ مِنَّا كَذَلِكَ" وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا يُعَرِّضُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَيْثُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ. فَخَرَجَ أَبُو عَامِرٍ إِلَى الشَّأْمِ وَمَرَّ إِلَى قَيْصَرَ وَكَتَبَ إِلَى الْمُنَافِقِينَ: اسْتَعِدُّوا فَإِنِّي آتِيكُمْ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ بِجُنْدٍ لِنُخْرِجَ مُحَمَّدًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَمَاتَ بِالشَّامِ وَحِيدًا. وَفِيهِ نَزَلَ:" وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ [[راجع ج ٨ ص ٢٥٢ فما بعد.]] ١٠ "وَسَيَأْتِي فِي بَرَاءَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُ فِيهَا، وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا" الْبَسُوسُ" فَكَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَقَالَتْ: اجْعَلْ لِي مِنْهَا دَعْوَةً وَاحِدَةً. فَقَالَ: لَكِ وَاحِدَةٌ، فَمَا تَأْمُرِينَ؟ قَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي أَجْمَلَ امرأة فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مِثْلُهَا رَغِبَتْ عَنْهُ، فَدَعَا اللَّهَ عَلَيْهَا أَنْ يَجْعَلَهَا كَلْبَةً نَبَّاحَةً. فَذَهَبَ فِيهَا دَعْوَتَانِ، فَجَاءَ بَنُوهَا وَقَالُوا: لَا صَبْرَ لَنَا عَنْ هَذَا، وَقَدْ صَارَتْ أُمُّنَا كَلْبَةً يُعَيِّرُنَا النَّاسُ بِهَا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهَا كَمَا كَانَتْ، فَدَعَا فَعَادَتْ إِلَى مَا كَانَتْ، وَذَهَبَتِ الدَّعَوَاتُ فِيهَا. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ، آتَاهُمُ اللَّهُ آيَاتِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ فَانْسَلَخُوا مِنْهَا وَلَمْ يَقْبَلُوهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ بَلْعَامُ مِنْ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ. وَقِيلَ: كَانَ مِنْ الْيَمَنِ. (فَانْسَلَخَ مِنْها) أَيْ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ نُزِعَ مِنْهُ الْعِلْمُ الَّذِي كَانَ يَعْلَمُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: (الْعِلْمُ عِلْمَانِ عِلْمٌ فِي الْقَلْبِ فَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ فَذَلِكَ حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ابْنِ آدَمَ (. فَهَذَا مِثْلُ علم بلعام وأشباهه، نعوذ بالله منه، ونسأل التَّوْفِيقَ وَالْمَمَاتَ عَلَى التَّحْقِيقِ. وَالِانْسِلَاخُ: الْخُرُوجُ، يُقَالُ: انْسَلَخَتِ الْحَيَّةُ مِنْ جِلْدِهَا أَيْ خَرَجَتْ مِنْهُ. وَقِيلَ: هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ، أَيِ انْسَلَخَتِ الْآيَاتُ مِنْهُ. (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) أَيْ لَحِقَ بِهِ، يُقَالُ: أَتْبَعْتُ الْقَوْمَ أَيْ لَحِقْتُهُمْ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، انْتَظَرُوا خُرُوجَ مُحَمَّدٍ ﷺ فكفروا به.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب