الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ أَيْ بِإِيقَاعِ الْفُرْقَةِ وَتَشْتِيتِ الشَّمْلِ. (وَيَذَرَكَ) بِنَصْبِ الرَّاءِ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْوَاوُ نَائِبَةٌ عَنِ الْفَاءِ. (وَآلِهَتَكَ) قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ فِرْعَوْنُ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، فَكَانَ يَعْبُدُ وَيُعْبَدُ. قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَعْبُدُ الْبَقَرَ قَالَ التَّيْمِيُّ: فَقُلْتُ لِلْحَسَنِ هَلْ كَانَ فِرْعَوْنُ يَعْبُدُ شَيْئًا؟ قَالَ نَعَمْ، إِنَّهُ كَانَ يَعْبُدُ [[في زوك: أن كان ليعبد.]] شَيْئًا كان قد جعل فِي عُنُقِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَى "وَآلِهَتَكَ" أَيْ وَطَاعَتَكَ، كما قيل في قول: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [[راجع ج ٨ ص ١٩٩.]] "إِنَّهُمْ مَا عَبَدُوهُمْ وَلَكِنْ أَطَاعُوهُمْ، فَصَارَ تَمْثِيلًا. وَقَرَأَ نُعَيْمُ بْنُ مَيْسَرَةَ" وَيَذَرُكَ "بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ وَهُوَ يَذَرُكَ. وَقَرَأَ الْأَشْهَبُ الْعُقَيْلِيُّ" وَيَذَرْكَ "مَجْزُومًا مُخَفَّفَ يَذَرُكَ لِثِقَلِ الضَّمَّةِ. وَقَرَأَ أَنَسُ ابن مَالِكٍ" وَنَذَرُكَ "بِالرَّفْعِ وَالنُّونِ. أَخْبَرُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ عِبَادَتَهُ إِنْ تَرَكَ مُوسَى حَيًّا. وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ" وَإِلَاهَتَكَ "وَمَعْنَاهُ وَعِبَادَتَكَ. وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ كَانَ يَعْبُدُ وَلَا يُعْبَدُ، أَيْ وَيَتْرُكُ عِبَادَتَهُ لَكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: فَمِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا قَالَ" أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [[راجع ج ١٩ ص ١٩٨.]] "وَ" مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [[راجع ج ١٤ ص ٢٨٨.]] "نَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُ رب وآلهة. فَقِيلَ لَهُ: وَيَذَرُكَ وَإِلَاهَتَكَ، بِمَعْنَى وَيَتْرُكُكَ وَعِبَادَةَ الناس لك. وقرأ الْعَامَّةِ" وَآلِهَتَكَ "كَمَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ فِرْعَوْنَ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِ وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَرْبُوبٌ. وَدَلِيلُ هَذَا قَوْلُهُ عِنْدَ حُضُورِ الْحِمَامِ" آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ" [[راجع ج ٨ ص ٣٣٧.]] فَلَمْ يُقْبَلْ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ (لَمَّا أَتَى بِهِ [[من ب وج وز وك.]]) بَعْدَ إِغْلَاقِ (بَابِ [[من ب وج وز وك.]]) التَّوْبَةِ. وَكَانَ قَبْلَ هَذَا الْحَالِ لَهُ إِلَهٌ يَعْبُدُهُ سِرًّا دون رب العالمين جل وعز، قال الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ. وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ "أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَقَدْ تَرَكُوكَ أَنْ يَعْبُدُوكَ". وَقِيلَ: "وَإِلَاهَتَكَ" قِيلَ: كَانَ يَعْبُدُ بَقَرَةً، وَكَانَ إِذَا اسْتَحْسَنَ بَقَرَةً أَمَرَ بِعِبَادَتِهَا، وَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ وَرَبُّ هَذِهِ. وَلِهَذَا قَالَ:" فَأَخْرَجَ لَهُمْ [[راجع ج ١١ ص ٢٣٢. يلاحظ أن الآية في السامري.]] عِجْلًا جَسَداً". ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ. قَالَ الزَّجَّاجُ: كَانَ لَهُ أَصْنَامٌ صِغَارٌ يَعْبُدُهَا قَوْمُهُ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ: "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ". قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ: قَوْلُ فِرْعَوْنَ "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ". يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ شَيْئًا غَيْرَهُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِلَاهَةِ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْبَقَرَةُ الَّتِي كَانَ يَعْبُدُهَا. وَقِيلَ: أَرَادُوا بِهَا الشَّمْسَ وَكَانُوا يَعْبُدُونَهَا. قَالَ الشَّاعِرُ: وَأَعْجَلْنَا الْإِلَاهَةَ أن تؤبا ثُمَّ آنَسَ قَوْمَهُ فَقَالَ (سَنَقْتُلُ أَبْنَاءَهُمْ) بِالتَّخْفِيفِ، قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ. وَالْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّكْثِيرِ. (وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) أَيْ لَا تَخَافُوا جَانِبَهُمْ. (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) آنَسَهُمْ بِهَذَا الْكَلَامِ. وَلَمْ يَقُلْ سَنُقَتِّلُ مُوسَى لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ فِرْعَوْنُ قَدْ مُلِئَ مِنْ مُوسَى رُعْبًا، فَكَانَ إذا رآه بال كما يبول الحمار. ولما بلغ قوم مُوسَى مِنْ فِرْعَوْنَ هَذَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ) أَطْمَعَهُمْ فِي أَنْ يُوَرِّثَهُمُ اللَّهُ أَرْضَ مِصْرَ. (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) أَيِ الْجَنَّةُ لِمَنِ اتقى. وعاقبة كل شي: آخِرُهُ، وَلَكِنَّهَا إِذَا أُطْلِقَتْ فَقِيلَ: الْعَاقِبَةُ لِفُلَانٍ فهم منه في العرف الخير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب