الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالَ أَوْسَطُهُمْ﴾ أَيْ أَمْثَلُهُمْ وَأَعْدَلُهُمْ وَأَعْقَلُهُمْ. (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ) أَيْ هَلَّا تَسْتَثْنُونَ. وَكَانَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ تَسْبِيحًا، قال مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَوْسَطَ كَانَ أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَلَمْ يُطِيعُوهُ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ: كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ سُبْحَانَ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُمْ: هَلَّا تُسَبِّحُونَ اللَّهَ، أَيْ تَقُولُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَصْلُ التَّسْبِيحِ التَّنْزِيهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَجَعَلَ مُجَاهِدٌ التَّسْبِيحَ فِي مَوْضِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى تَنْزِيهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يكون شي إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ. وَقِيلَ: هَلَّا تَسْتَغْفِرُونَهُ مِنْ فِعْلِكُمْ وَتَتُوبُونَ إِلَيْهِ مِنْ خُبْثِ نِيَّتِكُمْ، فَإِنَّ أَوْسَطَهُمْ قَالَ لَهُمْ حِينَ عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ وَذَكَّرَهُمُ انْتِقَامَهُ مِنَ الْمُجْرِمِينَ (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا) اعْتَرَفُوا بِالْمَعْصِيَةِ وَنَزَّهُوا اللَّهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا فِيمَا فَعَلَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِمْ: سُبْحانَ رَبِّنا أَيْ نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَنْبِنَا. (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) لِأَنْفُسِنَا فِي مَنْعِنَا الْمَسَاكِينَ. (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) أَيْ يَلُومُ هَذَا هَذَا فِي الْقَسَمِ وَمَنْعِ الْمَسَاكِينِ، وَيَقُولُ: بَلْ أَنْتَ أَشَرْتَ عَلَيْنَا بِهَذَا. (قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) أَيْ عَاصِينَ بِمَنْعِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَتَرْكِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: طَغَيْنَا نِعَمَ اللَّهِ فَلَمْ نَشْكُرْهَا كَمَا شَكَرَهَا آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ. (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) تَعَاقَدُوا وَقَالُوا: إِنْ أَبْدَلَنَا اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا لَنَصْنَعَنَّ كَمَا صَنَعَتْ آبَاؤُنَا، فَدَعَوُا اللَّهَ وَتَضَرَّعُوا فَأَبْدَلَهُمُ اللَّهُ مِنْ لَيْلَتِهِمْ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا، وَأَمَرَ جِبْرِيلَ أَنْ يَقْتَلِعَ تِلْكَ الْجَنَّةَ الْمُحْتَرِقَةَ فَيَجْعَلَهَا بِزُغَرَ [[زغر: بضم الزاي وفتح الغين المعجمة وآخرها راء.]] مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَيَأْخُذَ مِنَ الشَّامِ جَنَّةً فَيَجْعَلَهَا مَكَانَهَا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ الْقَوْمَ أَخْلَصُوا وَعَرَفَ اللَّهُ مِنْهُمْ صِدْقَهُمْ فَأَبْدَلَهُمْ جَنَّةً يُقَالُ لَهَا الْحَيَوَانُ، فِيهَا عِنَبٌ يَحْمِلُ الْبَغْلُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَاحِدًا. وَقَالَ الْيَمَانِيُّ أَبُو خَالِدٍ: دَخَلْتُ تِلْكَ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ كُلَّ عُنْقُودٍ مِنْهَا كَالرَّجُلِ الْأَسْوَدِ الْقَائِمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: قَوْلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) لَا أَدْرِي إِيمَانًا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، أَوْ عَلَى حَدِّ مَا يَكُونُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمُ الشدة، فيوقف في كونهم مؤمنين. وسيل قَتَادَةُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ: أَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ فَقَالَ: لَقَدْ كَلَّفْتَنِي تَعَبًا. وَالْمُعْظَمُ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ تَابُوا وَأَخْلَصُوا، حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ يُبْدِلَنا بِالتَّخْفِيفِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَبُو عَمْرٍو بِالتَّشْدِيدِ، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَقِيلَ: التَّبْدِيلُ تَغْيِيرُ الشَّيْءِ أَوْ تَغْيِيرُ حَالِهِ وَعَيْنُ الشَّيْءِ قَائِمٌ. وَالْإِبْدَالُ رَفْعُ الشَّيْءِ وَوَضْعُ آخَرَ مَكَانَهُ. وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ "النِّسَاءِ" القول في هذا [[راجع ج ٥ ص ٢٤٥) (]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب