الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ﴾ يَعْنِي فَوْقِيَّةَ الْمَكَانَةِ وَالرُّتْبَةِ لَا فَوْقِيَّةَ الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَوَّلَ السُّورَةِ. (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) أَيْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَالْإِرْسَالُ حَقِيقَتُهُ إِطْلَاقُ الشَّيْءِ بِمَا حُمِلَ مِنَ الرِّسَالَةِ، فَإِرْسَالُ الْمَلَائِكَةِ بِمَا حَمَلُوا مِنَ الْحِفْظِ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ، كَمَا قَالَ: "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ" [[راجع ج ١٩ ص ٢٤٥.]] أَيْ مَلَائِكَةً تَحْفَظُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ وَتَحْفَظُهُمْ مِنَ الْآفَاتِ. وَالْحَفَظَةُ جَمْعُ حَافِظٍ، مِثْلُ الْكَتَبَةِ وَالْكَاتِبِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُمَا مَلَكَانِ بِاللَّيْلِ وَمَلَكَانِ بِالنَّهَارِ، يَكْتُبُ أحدهما الخير والآخر الشر، وإذا مَشَى الْإِنْسَانُ يَكُونُ أَحَدُهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْآخَرُ وَرَاءَهُ، وَإِذَا جَلَسَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ" [[راجع ج ١٧ ص ٨.]] (الآية) [[من ز.]] وَيُقَالُ: لِكُلِّ إِنْسَانٍ خَمْسَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: اثْنَانِ بِاللَّيْلِ، وَاثْنَانِ بِالنَّهَارِ، وَالْخَامِسُ لَا يُفَارِقُهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ [[من ز، ع.]] عَنْهُ): وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعِيشُ [[في ك: سفيها.]] شَقِيًّا ... جَاهِلَ الْقَلْبِ غَافِلَ الْيَقَظَهْ فَإِذَا كَانَ ذَا وَفَاءٍ وَرَأْيٍ ... حَذِرَ الْمَوْتَ وَاتَّقَى الْحَفَظَهْ إِنَّمَا النَّاسُ رَاحِلٌ وَمُقِيمٌ ... فَالَّذِي بَانَ للمقيم عظه قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ يُرِيدُ أَسْبَابَهُ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي "الْبَقَرَةِ" [[راجع ج ٢ ص ١٣٧.]]. (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) عَلَى تَأْنِيثِ الْجَمَاعَةِ، كَمَا قَالَ: "وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ" وَ "كُذِّبَتْ رُسُلٌ" [[راجع ج ٦ ص ٤١٦.]]. وَقَرَأَ حَمْزَةُ "تَوَفَّاهُ رُسُلُنَا" عَلَى تَذْكِيرِ الْجَمْعِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ "تَتَوَفَّاهُ رُسُلُنَا" بِزِيَادَةِ تَاءٍ وَالتَّذْكِيرِ. وَالْمُرَادُ أَعْوَانُ مَلَكِ الْمَوْتِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَيُرْوَى أَنَّهُمْ يَسُلُّونَ الرُّوحَ مِنَ الْجَسَدِ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ قَبْضِهَا قَبَضَهَا مَلَكُ الْمَوْتِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقْبِضُ مَلَكُ الْمَوْتِ الرُّوحَ مِنَ الْجَسَدِ ثُمَّ يُسَلِّمُهَا إِلَى مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا أَوْ إِلَى مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ إِنْ كَانَ كَافِرًا. وَيُقَالُ: مَعَهُ سَبْعَةٌ مِنْ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ وَسَبْعَةٌ مِنْ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ، فَإِذَا قَبَضَ نَفْسًا مُؤْمِنَةً دَفَعَهَا إِلَى مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ فَيُبَشِّرُونَهَا بالثواب ويصعدون بها إلى السماء، إذا قَبَضَ نَفْسًا كَافِرَةً دَفَعَهَا إِلَى مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ فَيُبَشِّرُونَهَا بِالْعَذَابِ وَيُفَزِّعُونَهَا، ثُمَّ يَصْعَدُونَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ تُرَدُّ إِلَى سِجِّينٍ، وَرُوحُ الْمُؤْمِنِ إِلَى عِلِّيِّينَ. وَالتَّوَفِّي تَارَةً يُضَافُ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ، كَمَا قَالَ:" قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ [[راجع ج ١٤ ص ٩٢.]] "وَتَارَةً إِلَى الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا. وَتَارَةً إِلَى اللَّهِ وَهُوَ الْمُتَوَفِّي عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَمَا قَالَ:" اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها" [[راجع ج ١٥ ص ٢٦٠.]] "قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ" [[راجع ج ١٦ ص ١٧٢.]] " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ [[راجع ج ١٨ ص ٢٠٦.]] الْحَياةَ" فَكُلُّ مَأْمُورٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّمَا يَفْعَلُ مَا أُمِرَ بِهِ. (وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) أَيْ لَا يُضَيِّعُونَ وَلَا يُقَصِّرُونَ، أَيْ يُطِيعُونَ أَمْرَ اللَّهِ. وَأَصْلُهُ مِنَ التَّقَدُّمِ، كَمَا تَقَدَّمَ. فَمَعْنَى فَرَّطَ قَدَّمَ الْعَجْزَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَا يَتَوَانَوْنَ. وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ "لَا يُفْرِطُونَ" بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ لَا يُجَاوِزُونَ الْحَدَّ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ الْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ. (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ) أَيْ رَدَّهُمُ اللَّهُ بِالْبَعْثِ لِلْحِسَابِ. (مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) أَيْ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ وَبَاعِثُهُمْ وَمَالِكُهُمْ. "الْحَقِّ" بِالْخَفْضِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ، عَلَى النَّعْتِ وَالصِّفَةِ لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَرَأَ الْحَسَنُ "الْحَقَّ" بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي، أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ حَقًّا. (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) أَيِ اعْلَمُوا وَقُولُوا: لَهُ الْحُكْمُ وَحْدَهُ يو الْقِيَامَةِ، أَيِ الْقَضَاءُ وَالْفَصْلُ. (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) أَيْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرَةٍ وَرَوِيَّةٍ وَلَا عقد يد. وقد تقدم [[راجع ج ٢ ص ٤٣٥.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب