الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ أَيْ يُنِيمُكُمْ فَيَقْبِضُ نُفُوسَكُمُ الَّتِي بِهَا تُمَيِّزُونَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْتًا حَقِيقَةً بَلْ هُوَ قَبْضُ الْأَرْوَاحِ عَنِ التَّصَرُّفِ بِالنَّوْمِ كَمَا يَقْبِضُهَا بِالْمَوْتِ. وَالتَّوَفِّي اسْتِيفَاءُ الشَّيْءِ. وَتُوُفِّيَ الْمَيِّتُ اسْتَوْفَى عَدَدَ أَيَّامِ عُمُرِهِ، وَالَّذِي يَنَامُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَرَكَاتِهِ فِي الْيَقَظَةِ. وَالْوَفَاةُ الْمَوْتُ. وَأَوْفَيْتُكَ الْمَالَ، وَتَوَفَّيْتُهُ [[في ز، ل: توفيت الشيء.]] ، وَاسْتَوْفَيْتُهُ إِذَا أَخَذْتُهُ أَجْمَعَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ [[هو منظور الوبرى.]]: إِنَّ بَنِي الْأَدْرَدِ لَيْسُوا مِنْ أَحَدٍ ... وَلَا تَوَفَّاهُمْ قُرَيْشٌ فِي الْعَدَدِ وَيُقَالُ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْبَدَنِ فِي الْمَنَامِ تَبْقَى فِيهِ الْحَيَاةُ، وَلِهَذَا تَكُونُ فِيهِ الْحَرَكَةُ وَالتَّنَفُّسُ، فَإِذَا انْقَضَى عُمُرُهُ خَرَجَ رُوحُهُ وَتَنْقَطِعُ حَيَاتُهُ، وَصَارَ مَيِّتًا لَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَتَنَفَّسُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ. لَا تَخْرُجُ مِنْهُ الرُّوحُ، وَلَكِنْ يَخْرُجُ مِنْهُ الذِّهْنُ. وَيُقَالُ: هَذَا أَمْرٌ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) أَيْ فِي النَّهَارِ، وَيَعْنِي الْيَقَظَةَ. (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) أَيْ لِيَسْتَوْفِيَ كُلُّ إِنْسَانٍ أَجَلًا ضُرِبَ لَهُ. وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ "ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ليقضى أجلا مسمى" أي عنده. و "جَرَحْتُمْ" كسبتم. وقد تقديم فِي الْمَائِدَةِ [[راجع ج ٦ ص ٦٦.]]. وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ وهو الذي يتوفاكم بِاللَّيْلِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ بِالنَّهَارِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ فِيهِ، فَقَدَّمَ الْأَهَمَّ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وَقَعَ الْبَعْثُ فِي النَّهَارِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ "ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ" أَيْ فِي الْمَنَامِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّ إِمْهَالَهُ تَعَالَى لِلْكُفَّارِ لَيْسَ لِغَفْلَةٍ عَنْ كفرهم فإنه أحصى كل شي عَدَدًا وَعَلِمَهُ وَأَثْبَتَهُ، وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ أَجَلًا مُسَمًّى مِنْ رِزْقٍ وَحَيَاةٍ، ثُمَّ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُجَازِيهِمْ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ بِالْبَعْثِ، لِأَنَّ النَّشْأَةَ الثَّانِيَةَ مَنْزِلَتُهَا بَعْدَ الْأُولَى كَمَنْزِلَةِ الْيَقَظَةِ بَعْدَ النَّوْمِ فِي أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى أحدهما فهو قادر على الآخر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب