الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ﴾ قِيلَ: بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْجَزَاءِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) أَيْ لَقِيَ جَزَاءَهُ، لِأَنَّ مَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ لَا يَرَى اللَّهَ عِنْدَ مثبتي الرؤية، ذهب إِلَى هَذَا الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ حَمْلَ اللِّقَاءِ فِي مَوْضِعٍ عَلَى الْجَزَاءِ لِدَلِيلٌ قَائِمٌ لَا يُوجِبُ هَذَا التَّأْوِيلَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَلْيُحْمَلِ اللِّقَاءُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْكُفَّارُ كَانُوا يُنْكِرُونَ الصَّانِعَ، وَمُنْكِرُ الرُّؤْيَةِ مُنْكِرٌ لِلْوُجُودِ! قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ سُمِّيَتِ الْقِيَامَةُ بِالسَّاعَةِ لِسُرْعَةِ الْحِسَابِ فِيهَا. وَمَعْنَى (بَغْتَةً) فَجْأَةً، يُقَالُ: بَغَتَهُمُ الْأَمْرُ يَبْغَتُهُمْ بَغْتًا وَبَغْتَةً. وَهِيَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، وَهِيَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، كَمَا تَقُولُ: قَتَلْتُهُ صَبْرًا، وأنشد [[البيت لزهير بن أبي سلمى والشاهد فيه قوله: (لايا بلاي) ونصب على المصدر الموضوع في موضع الحال والتقدير حملنا وليدنا مبطئين ملتئين. وصف فرسا بالنشاط وشدة الخلق فيقول: إذا حملنا الغلام عليه ليصيد امتنع لنشاطه فلم نحمله إلا بعد إبطاء وجهد واللاى الإبطاء المحبوك الشديد الخلق والظماء هنا القليلة اللحم- وهو المحمود منها- واصل الظمأ العطش.
(شواهد سيبويه).]]:
فَلَأْيًا بِلَأْيٍ مَا حَمَلْنَا وَلِيدَنَا ... عَلَى ظَهْرِ مَحْبُوكٍ ظِمَاءٍ مَفَاصِلُهُ
وَلَا يُجِيزُ سِيبَوَيْهِ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ، لَا يُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ سُرْعَةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالُوا يَا حَسْرَتَنا﴾ وَقَعَ النِّدَاءُ عَلَى الْحَسْرَةِ وَلَيْسَتْ بِمُنَادَى فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ التَّحَسُّرِ، وَمِثْلُهُ يَا لَلْعَجَبِ ويا للرخاء وليسا بمنادين فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ التَّعَجُّبِ وَالرَّخَاءِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: كَأَنَّهُ قَالَ يَا عَجَبٌ تَعَالَ فَهَذَا زَمَنُ إِتْيَانِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ يَا حَسْرَتِي [أَيْ يَا حَسْرَتَا] [[من ب، ج، ك، ع.]] تَعَالَيْ فَهَذَا وَقْتُكِ، وَكَذَلِكَ مَا لَا يَصِحُّ نِدَاؤُهُ يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، فَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِكَ تَعَجَّبْتُ. وَمِنْهُ قول الشاعر:
فَيَا عَجَبًا مِنْ رَحْلِهَا الْمُتَحَمَّلِ [[شطر بيت من معلقة امرئ القيس وصدره:
ويوم عقرت للعذارى مطيتي]]
وَقِيلَ: هُوَ تَنْبِيهٌ لِلنَّاسِ عَلَى عَظِيمِ مَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْحَسْرَةِ، أَيْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَنَبَّهُوا عَلَى عَظِيمِ مَا بِي مِنَ الْحَسْرَةِ، فَوَقَعَ النِّدَاءُ عَلَى غَيْرِ الْمُنَادَى حَقِيقَةً، كَقَوْلِكَ: لَا أرينك ها هنا. فَيَقَعُ النَّهْيُ عَلَى غَيْرِ الْمَنْهِيِّ فِي الْحَقِيقَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿عَلى مَا فَرَّطْنا فِيها﴾ أَيْ فِي السَّاعَةِ، أَيْ فِي التَّقْدِمَةِ لَهَا، عَنِ الْحَسَنِ. وَ (فَرَّطْنا) مَعْنَاهُ ضَيَّعْنَا وَأَصْلُهُ التَّقَدُّمُ، يُقَالُ: فَرَّطَ فُلَانٌ أَيْ تَقَدَّمَ وَسَبَقَ إِلَى الْمَاءِ، وَمِنْهُ (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ). وَمِنْهُ الْفَارِطُ أَيِ الْمُتَقَدِّمُ لِلْمَاءِ، وَمِنْهُ- فِي الدُّعَاءِ لِلصَّبِيِّ- اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ، فَقَوْلُهُمْ: (فَرَّطْنا) أَيْ قَدَّمْنَا الْعَجْزَ. وَقِيلَ: (فَرَّطْنا) أَيْ جَعَلْنَا غَيْرَنَا الْفَارِطَ السَّابِقَ لَنَا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَتَخَلَّفْنَا.
(فِيها) أَيْ فِي الدُّنْيَا بِتَرْكِ الْعَمَلِ لِلسَّاعَةِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: (الْهَاءُ) رَاجِعَةٌ إِلَى الصَّفْقَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ خُسْرَانُ صَفْقَتِهِمْ بِبَيْعِهِمُ الْإِيمَانَ بِالْكُفْرِ، [وَالْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا] [[في الأصول: والدنيا بالآخرة.]]، "قالُوا يَا حَسْرَتَنا عَلى مَا فَرَّطْنا فِيها" أَيْ فِي الصَّفْقَةِ، وَتَرَكَ ذِكْرَهَا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الْخُسْرَانَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي صَفْقَةِ بَيْعٍ، دليله قوله: "فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ" [[راجع ج ١ ص ٢١٠.]]] البقرة: ١٦]. وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَلَى مَا ضَيَّعْنَا أَيْ مِنْ عَمَلِ الْجَنَّةِ. وَفِي الْخَبَرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: (يَرَى أَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ:) يَا حَسْرَتَنا (. قَوْلُهُ تعالى:) وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ) أَيْ ذُنُوبَهُمْ جَمْعُ وِزْرٍ.
(عَلى ظُهُورِهِمْ) مَجَازٌ وَتَوَسُّعٌ وَتَشْبِيهٌ بِمَنْ يَحْمِلُ ثِقَلًا، يُقَالُ مِنْهُ: وَزَرَ يَزِرُ، وَوَزِرَ يُوزَرُ فَهُوَ وَازِرٌ وَمَوْزُورٌ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْوَزَرِ وَهُوَ الْجَبَلُ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي النِّسَاءِ اللَّوَاتِي خَرَجْنَ فِي جِنَازَةٍ (ارْجِعْنَ مَوْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْعَامَّةُ تَقُولُ: (مَأْزُورَاتٍ) كَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ مِنَ الْوِزْرِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا بَسَطَ ثَوْبَهُ فَجَعَلَ فِيهِ الْمَتَاعَ احْمِلْ وِزْرَكَ أَيْ ثِقَلَكَ. وَمِنْهُ الْوَزِيرُ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ أَثْقَالَ مَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ مِنْ تَدْبِيرِ الْوِلَايَةِ: وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَزِمَتْهُمُ الْآثَامُ فَصَارُوا مُثْقَلِينَ بِهَا.
(أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ) أَيْ مَا أَسْوَأَ الشَّيْءِ الَّذِي يَحْمِلُونَهُ.
{"ayah":"قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِلِقَاۤءِ ٱللَّهِۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةࣰ قَالُوا۟ یَـٰحَسۡرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطۡنَا فِیهَا وَهُمۡ یَحۡمِلُونَ أَوۡزَارَهُمۡ عَلَىٰ ظُهُورِهِمۡۚ أَلَا سَاۤءَ مَا یَزِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق