الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ ابْتِدَاءٌ، وَهُوَ شَرْطٌ، وَالْجَوَابُ (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمْثَالِهَا، فَحُذِفَتِ الْحَسَنَاتُ وَأُقِيمَتِ الْأَمْثَالُ الَّتِي هِيَ صِفَتُهَا مَقَامَهَا، جَمْعُ مِثْلٍ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: عِنْدِي عَشَرَةٌ نَسَّابَاتٌ، أَيْ عِنْدِي عَشَرَةُ رِجَالٍ نَسَّابَاتٌ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: حَسُنَ التَّأْنِيثُ فِي "عَشْرُ أَمْثالِها" لَمَّا كَانَ الْأَمْثَالُ مُضَافًا إِلَى مُؤَنَّثٍ، وَالْإِضَافَةُ إِلَى الْمُؤَنَّثِ إِذَا كَانَ إِيَّاهُ فِي الْمَعْنَى يَحْسُنُ فِيهِ ذَلِكَ، نحو "يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ". وَذَهَبَتْ بَعْضُ أَصَابِعِهِ [[في ك: بعض أصحابه.]]. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْأَعْمَشُ "فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها". وَالتَّقْدِيرُ: فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمْثَالُهَا، أَيْ لَهُ مِنَ الْجَزَاءِ عَشَرَةُ أَضْعَافٍ مِمَّا يَجِبُ لَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ، وَيُضَاعَفُ الْمِثْلُ فَيَصِيرُ عَشَرَةً. وَالْحَسَنَةُ هُنَا: الْإِيمَانُ أَيْ مَنْ جَاءَ بِشَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَلَهُ بِكُلِّ عَمَلٍ عَمَلَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْخَيْرِ عَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مِنَ الثَّوَابِ. (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) يَعْنِي الشِّرْكَ (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) وَهُوَ الْخُلُودُ فِي النَّارِ، لِأَنَّ الشِّرْكَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ، وَالنَّارَ أعظم العقوبة، فذلك قول تَعَالَى:" جَزاءً وِفاقاً [[راجع ج ١٩ ص ١٧٩.]] " يَعْنِي جَزَاءً وَافَقَ الْعَمَلَ. وَأَمَّا الْحَسَنَةُ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ، لِنَصِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ. وَفِي الْخَبَرِ (الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ وَالسَّيِّئَةُ وَاحِدَةٌ وَأَغْفِرُ فَالْوَيْلُ لِمَنْ غَلَبَتْ آحَادُهُ أَعْشَارَهُ). وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: الْحَسَنَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالسَّيِّئَةُ الشِّرْكُ. (وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) أَيْ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ [[راجع ج ٣ ص ٢٤٠ و٣٠٥.]] " بَيَانُ هَذِهِ الْآيَةِ، وَأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْعَشْرُ لِسَائِرِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّبْعُمِائَةٍ لِلنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْخَاصُّ وَالْعَامُّ فِيهِ سَوَاءٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ لِلْعَوَامِّ عَشَرَةٌ وَلِلْخَوَاصِّ سَبْعُمِائَةٍ وَأَكْثَرُ إِلَى مَا لَا يُحْصَى، وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَوْقِيفٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِحَدِيثِ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَفِيهِ: (وَأَمَّا حَسَنَةٌ بِعَشْرٍ فَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَمَّا حسنة بسبعمائة فالنفقة في سبيل الله).
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب