الباحث القرآني

وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ ءالذكرين حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ﴾ "ثَمانِيَةَ" مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، أَيْ وَأَنْشَأَ "ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ"، عَنِ الْكِسَائِيِّ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ سَعِيدٌ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ "حَمُولَةً وَفَرْشاً". وَقَالَ الْأَخْفَشُ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ: يَكُونُ مَنْصُوبًا بِ "كُلُوا"، أَيْ كُلُوا لَحْمَ ثَمَانِيَةِ أَزْوَاجٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ "مَا" عَلَى الْمَوْضِعِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِمَعْنَى كُلُوا الْمُبَاحَ "ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ". وَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ وَأَصْحَابِهِ حَيْثُ قَالُوا: "مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا" فَنَبَّهَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَا أَحَلَّهُ لَهُمْ، لِئَلَّا يَكُونُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَالزَّوْجُ خِلَافُ الْفَرْدِ، يُقَالُ: زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ. كَمَا يُقَالُ: خَسًا أَوْ زكا، شفع [[في ك: لشفع أو وتر.]] أو وتر. فقول: "ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ" يَعْنِي ثَمَانِيَةَ أَفْرَادٍ. وَكُلُّ فَرْدٍ عِنْدَ الْعَرَبِ يَحْتَاجُ إِلَى آخَرَ يُسَمَّى زَوْجًا، فَيُقَالُ لِلذَّكَرِ زَوْجٌ وَلِلْأُنْثَى زَوْجٌ. وَيَقَعُ لَفْظُ الزَّوْجِ لِلْوَاحِدِ وَلِلِاثْنَيْنِ، يُقَالُ هُمَا زَوْجَانِ، وَهُمَا زَوْجٌ، كَمَا يُقَالُ: هُمَا سِيَّانِ وَهُمَا سَوَاءٌ. وَتَقُولُ: اشْتَرَيْتُ زَوْجَيْ حَمَامٍ. وَأَنْتَ تَعْنِي ذَكَرًا وَأُنْثَى. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ﴾ أَيِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. وَالضَّأْنُ: ذَوَاتُ الصُّوفِ مِنَ الْغَنَمِ، وَهِيَ جَمْعُ ضَائِنٍ. وَالْأُنْثَى ضَائِنَةٌ، وَالْجَمْعُ ضوائن. وقيل: هو جمع لَا وَاحِدَ لَهُ. وَقِيلَ فِي جَمْعِهِ: ضَئِينٌ، كَعَبْدٍ وَعَبِيدٍ. وَيُقَالُ فِيهِ ضِئِينٌ. كَمَا يُقَالُ فِي شَعِيرٍ: شِعِيرٌ، كُسِرَتِ الضَّادُ اتِّبَاعًا. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ "مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ" بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَهِيَ لُغَةٌ مَسْمُوعَةٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ. وَهُوَ مُطَّرِدٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ فِي كُلِّ مَا ثَانِيهِ حَرْفُ حَلْقٍ. وَكَذَلِكَ الْفَتْحُ وَالْإِسْكَانُ فِي الْمَعْزِ. وَقَرَأَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ "مِنَ الضَّأْنِ اثْنَانِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَانِ" رَفْعًا بِالِابْتِدَاءِ. وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ. (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَانِ [[كذا في الأصول. والذي في شواذ ابن خالويه: من المعزى أبى وهو الصواب كما في البحر. وروح المعاني. وقراءة أبى: من المعزى اثنين. فيما يتبادر. وقوله: وهى قراءة الأكثر راجع إلى الإسكان في المعز.]]) وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَكْثَرِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِالْفَتْحِ. قَالَ النَّحَّاسُ: الْأَكْثَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَعْزُ وَالضَّأْنُ بِالْإِسْكَانِ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ فِي الْجَمْعِ: مَعِيزٌ، فَهَذَا جَمْعُ مَعْزٍ. كَمَا يُقَالُ: عَبْدٌ وَعَبِيدٌ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: وَيَمْنَحُهَا بَنُو شَمَجَى بْنِ جَرْمٍ ... مَعِيزَهُمْ حَنَانِكَ ذَا الْحَنَانِ وَمِثْلُهُ ضَأْنٌ وَضَئِينٌ. وَالْمَعْزُ مِنَ الْغَنَمِ خِلَافُ الضَّأْنِ، وَهِيَ ذَوَاتُ الْأَشْعَارِ وَالْأَذْنَابِ الْقِصَارِ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَكَذَلِكَ الْمَعْزُ وَالْمَعِيزُ وَالْأُمْعُوزُ وَالْمِعْزَى. وَوَاحِدُ الْمَعْزِ مَاعِزٌ، مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ. وَالْأُنْثَى مَاعِزَةٌ وَهِيَ الْعَنْزُ، وَالْجَمْعُ مَوَاعِزُ. وَأَمْعَزَ الْقَوْمُ كَثُرَتْ مَعْزَاهُمْ. وَالْمَعَّازُ صَاحِبُ الْمِعْزَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَقْعَسِيُّ يَصِفُ إِبِلًا بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَيُفَضِّلُهَا عَلَى الْغَنَمِ فِي شِدَّةِ الزَّمَانِ: يَكِلْنَ كَيْلًا لَيْسَ بِالْمَمْحُوقِ ... إِذْ رَضِيَ الْمَعَّازُ بِاللَّعُوقِ وَالْمَعَزُ الصَّلَابَةُ مِنَ الْأَرْضِ. وَالْأَمْعَزُ: الْمَكَانُ الصُّلْبُ الْكَثِيرُ الْحَصَى، وَالْمَعْزَاءُ أَيْضًا. وَاسْتَمْعَزَ الرَّجُلُ فِي أَمْرِهِ: جَدَّ. (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ) مَنْصُوبٌ بَ "حَرَّمَ". (أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) عطف عليه. وكذا (أَمَّا اشْتَمَلَتْ). وَزِيدَتْ مَعَ أَلِفِ الْوَصْلِ مَدَّةٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ. وَيَجُوزُ حَذْفُ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ "أَمِ" تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ. كَمَا قَالَ: تَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرُ الثَّالِثَةُ- قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْآيَةُ احْتِجَاجٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي أَمْرِ الْبَحِيرَةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا. وَقَوْلُهُمْ: "مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا". فَدَلَّتْ عَلَى إِثْبَاتِ الْمُنَاظَرَةِ فِي الْعِلْمِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يُنَاظِرَهُمْ، وَيُبَيِّنَ لَهُمْ فَسَادَ قَوْلِهِمْ. وَفِيهَا إِثْبَاتُ الْقَوْلِ بِالنَّظَرِ وَالْقِيَاسِ. وَفِيهَا دَلِيلٌ بِأَنَّ الْقِيَاسَ إِذَا ورد عليه النص بطل القول به. وَيُرْوَى: "إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ النَّقْضُ"، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِالْمُقَايَسَةِ الصَّحِيحَةِ، وَأَمَرَهُمْ بِطَرْدِ عِلَّتِهِمْ. وَالْمَعْنَى: قُلْ لَهُمْ إِنْ كَانَ حَرَّمَ الذُّكُورَ فكل ذكر حرام. لان كان حرم الإناث فكل أنثى حرام. لان كَانَ حَرَّمَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ، يَعْنِي مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ حَرَامٌ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَكُلُّهَا مَوْلُودٌ فَكُلُّهَا إِذًا حَرَامٌ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهَا، فَبَيَّنَ [[في ك: فيكون.]] انْتِقَاضَ عِلَّتِهِمْ وَفَسَادَ قَوْلِهِمْ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَا فَعَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ افْتِرَاءٌ عَلَيْهِ (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) أَيْ بِعِلْمٍ إِنْ كَانَ عِنْدَكُمْ، مِنْ أَيْنَ هَذَا التَّحْرِيمُ الَّذِي افْتَعَلْتُمُوهُ؟ وَلَا عِلْمَ عِنْدِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ الْكُتُبَ. وَالْقَوْلُ فِي: "وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ" وَمَا بَعْدَهُ كَمَا سَبَقَ (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ) أَيْ (هَلْ [[من ك، ع.]]) شَاهَدْتُمُ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ هَذَا. وَلَمَّا لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ أَخَذُوا في الافتراء فقالوا: كذا أمر الله. كَذَا أَمَرَ اللَّهُ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) بَيَّنَ أَنَّهُمْ كَذَبُوا، إِذْ قالوا ما لم يقم عليه دليل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب