الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقالُوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا﴾ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ جَهْلِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ اللَّبَنُ، جَعَلُوهُ حَلَالًا لِلذُّكُورِ وَحَرَامًا عَلَى الْإِنَاثِ. وَقِيلَ: الْأَجِنَّةُ، قَالُوا: إِنَّهَا لِذُكُورِنَا. ثُمَّ إِنْ مَاتَ منها شي أَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَالْهَاءُ فِي "خالِصَةٌ" لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْخُلُوصِ، وَمِثْلُهُ رَجُلٌ عَلَّامَةٌ وَنَسَّابَةٌ، عَنِ الكسائي والأخفش. و "خالِصَةٌ" بِالرَّفْعِ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ الَّذِي هُوَ "مَا". وَقَالَ الْفَرَّاءُ: تَأْنِيثُهَا لِتَأْنِيثِ الْأَنْعَامِ. وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ قَوْمٍ خَطَأٌ، لِأَنَّ مَا فِي بُطُونِهَا لَيْسَ مِنْهَا، فَلَا يُشْبِهُ (قَوْلَهُ) [[من ك.]] " يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ [[راجع ج ٩ ص ١٣٣.]] " لِأَنَّ بَعْضَ السَّيَّارَةِ سَيَّارَةٌ، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ (قَالَ [[من ك.]] الْفَرَّاءُ: فَإِنَّ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ أَنْعَامٌ مِثْلُهَا، فَأَنَّثَ لِتَأْنِيثِهَا، أَيِ الْأَنْعَامُ الَّتِي فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا. وَقِيلَ: أَيْ جَمَاعَةُ مَا فِي الْبُطُونِ. وَقِيلَ: إِنَّ "مَا" تَرْجِعُ إِلَى الْأَلْبَانِ أَوِ الْأَجِنَّةِ، فَجَاءَ التَّأْنِيثُ على المعنى والتذكير على اللفظ. وَلِهَذَا قَالَ "وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا" عَلَى اللَّفْظِ. وَلَوْ رَاعَى الْمَعْنَى لَقَالَ وَمُحَرَّمَةٌ. وَيُعَضِّدُ هَذَا قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ "خَالِصٌ" بِغَيْرِ هَاءٍ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: مَعْنَى خَالِصٌ وَخَالِصَةٌ وَاحِدٌ، إِلَّا أَنَّ الْهَاءَ لِلْمُبَالَغَةِ، كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ دَاهِيَةٌ وَعَلَّامَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَرَأَ قَتَادَةُ "خَالِصَةً" بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ الَّذِي هُوَ صِلَةٌ "مَا". وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ، كَقَوْلِكَ: الَّذِي فِي الدَّارِ قَائِمًا زَيْدُ. هَذَا مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ. وَانْتَصَبَ عِنْدَ الْفَرَّاءِ عَلَى الْقَطْعِ. وَكَذَا الْقَوْلُ فِي قِرَاءَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ "خَالِصًا". وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ "خَالِصَةٌ" عَلَى الْإِضَافَةِ فَيَكُونُ ابْتِدَاءً ثَانِيًا، وَالْخَبَرُ "لِذُكُورِنا" وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ "مَا". وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "خالِصَةٌ" بَدَلًا مِنْ "مَا". فَهَذِهِ خَمْسُ قِرَاءَاتٍ. (وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا) أَيْ بَنَاتِنَا، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ. وَغَيْرُهُ: نِسَاؤُهُمْ. وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً قُرِئَ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ، أَيْ إِنْ يَكُنْ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ [[من ك.]] مَيْتَةً (فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ) أَيِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَقَالَ "فِيهِ" لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَيْتَةِ الْحَيَوَانُ، وَهِيَ تُقَوِّي قِرَاءَةَ الْيَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ فِيهَا. "مَيْتَةٌ" بِالرَّفْعِ بِمَعْنَى تَقَعُ أَوْ تَحْدُثُ. "مَيْتَةً" بِالنَّصْبِ، أَيْ وَإِنْ تَكُنِ النَّسَمَةُ ميتة. (سيجزيهم وصفهم) أَيْ كَذِبَهُمْ وَافْتِرَاءَهُمْ، أَيْ يُعَذِّبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَانْتُصِبَ "وَصْفَهُمْ" بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ بِوَصْفِهِمْ وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ قَوْلَ مَنْ خَالَفَهُ وَإِنْ لَمْ يأخذ به، حتى يعرف فساد قول، وَيَعْلَمَ كَيْفَ يَرُدُّ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمَ النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ قَوْلَ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ (أَهْلِ [[من ك وع.]] زَمَانِهِمْ، لِيَعْرِفُوا فساد قولهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب