الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ﴾ أَيْ ثَبَتَ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ أَيْضًا. وَقِيلَ: نَزَلَتِ الْآيَةُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: عَلِمْنَا أَنَّهُ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى مَا تَفْعَلُ إِلَّا الْحَاجَةُ، فَنَحْنُ نَجْمَعُ لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَصِيرَ أَغْنَانَا [[في ع: من أغنيائنا، فأخبرهم سبحانه. إلخ.]]، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْبِرْهُمْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ لِلَّهِ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُغْنِيَنِي. وَ (سَكَنَ) مَعْنَاهُ هَدَأَ وَاسْتَقَرَّ، وَالْمُرَادُ مَا سَكَنَ وَمَا تَحَرَّكَ، فَحُذِفَ لِعِلْمِ السَّامِعِ. وَقِيلَ: خَصَّ السَّاكِنَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَا يَعُمُّهُ السُّكُونُ أَكْثَرُ مِمَّا تَعُمُّهُ الْحَرَكَةُ. وَقِيلَ الْمَعْنَى مَا خَلَقَ، فَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ مُتَحَرِّكِهَا وَسَاكِنِهَا، فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسُّكُونِ ضِدَّ الْحَرَكَةِ بَلِ الْمُرَادُ الْخَلْقُ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ، لِأَنَّهُ يَجْمَعُ شَتَاتَ الْأَقْوَالِ. (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأصواتهم (الْعَلِيمُ) بأسرارهم. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾ مَفْعُولَانِ، لَمَّا دَعَوْهُ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ دِينِ آبَائِهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى "قُلْ" يَا مُحَمَّدُ: "أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا" أَيْ رَبًّا وَمَعْبُودًا وَنَاصِرًا دُونَ اللَّهِ. (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بِالْخَفْضِ عَلَى النَّعْتِ لِاسْمِ اللَّهِ، وَأَجَازَ الْأَخْفَشُ الرَّفْعَ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَدْحِ. أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى فِعْلٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَالَ: أَتْرُكُ فَاطِرَ السموات وَالْأَرْضِ؟ لِأَنَّ قَوْلَهُ: "أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا" يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْوِلَايَةِ لَهُ، وَحُسْنِ إِضْمَارِهِ لِقُوَّةِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ. (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) كَذَا قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ، أَيْ يَرْزُقُ وَلَا يُرْزَقُ، دليله قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [[راجع ج ١٧ ص ٥٥.]]] الذاريات: ٥٧] وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْأَعْمَشُ: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ، أَيْ أَنَّهُ يَرْزُقُ عِبَادَهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمَخْلُوقُونَ مِنَ الْغِذَاءِ. وقرى بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْفِعْلَيْنِ، أَيْ إِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُ عِبَادَهُ وَيَرْزُقُهُمْ وَالْوَلِيُّ [[الولي: الوثن.]] لَا يطعم نفسه ولا من يتخذه. وقرى بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ أَيِ الْوَلِيَّ (وَلَا يُطْعِمُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ. وَخَصَّ الْإِطْعَامَ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ ضُرُوبِ الْإِنْعَامِ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ أَمَسُّ لِجَمِيعِ الْأَنَامِ. (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أَيِ اسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ أَخْلَصَ أَيْ مِنْ قَوْمِي وَأُمَّتِي، عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ. (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ وَقِيلَ لِي: "وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ". (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) أَيْ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ أَنْ يُعَذِّبَنِي، وَالْخَوْفُ تَوَقُّعُ الْمَكْرُوهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَخافُ" هُنَا بِمَعْنَى أَعْلَمُ. (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) أَيِ الْعَذَابُ "يَوْمَئِذٍ" يَوْمَ الْقِيَامَةِ "فَقَدْ رَحِمَهُ" أَيْ فَازَ وَنَجَا وَرَحِمَ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ "مَنْ يَصْرِفُ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ، لِقَوْلِهِ: "قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ" وَلِقَوْلِهِ: "فَقَدْ رَحِمَهُ" وَلَمْ يَقُلْ رُحِمَ عَلَى الْمَجْهُولِ، وَلِقِرَاءَةِ أُبَيٍّ "مَنْ يَصْرِفُهُ اللَّهُ عَنْهُ" وَاخْتَارَ سِيبَوَيْهِ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى- قِرَاءَةَ أَهْلِ المدينة وأبي عمروقال سِيبَوَيْهِ: وَكُلَّمَا قَلَّ الْإِضْمَارُ فِي الْكَلَامِ كَانَ أولى، فأما قراءة] من قرأ [[[من ك.]] "مَنْ يَصْرِفُ" بِفَتْحِ الْيَاءِ فَتَقْدِيرُهُ: مَنْ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ، وَإِذَا قُرِئَ (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) فَتَقْدِيرُهُ: مَنْ يُصْرَفُ عَنْهُ الْعَذَابُ. (وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) أي النجاة البينة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب