الباحث القرآني

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ أَيْ يُحِبُّونَ وَيُوَالُونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ تَقَدَّمَ [[راجع ج ٨ ص ١٩٤.]] وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ قَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي [عبد الله بن [[زيادة لازمة، فقد كان عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول رضى الله عنه من فضلاء الصحابة وخيارهم وكان أبوه عبد الله رأس المنافقين وفيه نزلت الآية.]]] عبد الله بن أبي، جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَشَرِبَ النَّبِيُّ ﷺ مَاءً، فَقَالَ لَهُ: بِاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَبْقَيْتَ مِنْ شَرَابِكَ فَضْلَةً أُسْقِيهَا أَبِي، لَعَلَّ اللَّهَ يُطَهِّرُ بِهَا قَلْبَهُ؟ فَأَفْضَلَ لَهُ فَأَتَاهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هِيَ فَضْلَةٌ مِنْ شَرَابِ النَّبِيِّ ﷺ جئتك بها تشر بها لَعَلَّ اللَّهَ يُطَهِّرُ قَلْبَكَ بِهَا. فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: فَهَلَّا جِئْتَنِي بِبَوْلِ أُمِّكَ فَإِنَّهُ أَطْهَرُ مِنْهَا. فَغَضِبَ وَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمَا أَذِنْتَ لِي فِي قَتْلِ أَبِي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «بَلْ تَرْفُقُ بِهِ وتحسن إليه». وقال ابن جريح: حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا قُحَافَةَ سَبَّ النَّبِيَّ ﷺ فَصَكَّهُ أَبُو بَكْرٍ ابْنُهُ صَكَّةً فَسَقَطَ مِنْهَا عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ له، فقال: «أوفعلته، لَا تَعُدْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نبيّا ولو كَانَ السَّيْفُ مِنِّي قَرِيبًا لِقِتْلَتُهُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَتَلَ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْجَرَّاحِ يَوْمَ أُحُدٍ وَقِيلَ: يَوْمَ بَدْرٍ. وَكَانَ الْجَرَّاحُ يَتَصَدَّى لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَحِيدُ عَنْهُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ قَصَدَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَتَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ حِينَ قَتَلَ أَبَاهُ: «لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» الْآيَةَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: كذلك يقول أهل الشام. وقد سألت رجالا من بنى الحرث بْنِ فِهْرٍ فَقَالُوا: تُوُفِّيَ أَبُوهُ مِنْ قَبْلِ الإسلام. أَوْ أَبْناءَهُمْ يعنى أبا بكر دعى ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى الْبِرَازِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَتِّعْنَا بِنَفْسِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَمَا تَعْلَمُ أَنَّكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ». أَوْ إِخْوانَهُمْ يَعْنِي مصعب بن عمير قَتَلَ أَخَاهُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ. أَوْ عَشِيرَتَهُمْ يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَتَلَ خاله العاص ابن هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَعَلِيًّا وَحَمْزَةَ قَتَلَا عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، لَمَّا كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمَسِيرِ النَّبِيِّ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ أَوَّلَ سُورَةِ «الْمُمْتَحَنَةِ» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. بَيَّنَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَفْسُدُ بِمُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَإِنْ كَانُوا أَقَارِبَ. الثَّانِيَةَ- اسْتَدَلَّ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مُعَادَاةِ الْقَدَرِيَّةِ وَتَرْكِ مُجَالَسَتِهِمْ. قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: لَا تُجَالِسِ الْقَدَرِيَّةَ وَعَادِهِمْ فِي اللَّهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ: وَفِي مَعْنَى أَهْلِ الْقَدَرِ جَمِيعُ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ. وَعَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَنْ كَانَ يَصْحَبُ السُّلْطَانَ. وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ لَقِيَ الْمَنْصُورَ فِي الطَّوَافِ فَلَمَّا عَرَفَهُ هَرَبَ مِنْهُ وَتَلَاهَا. وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ عِنْدِي نِعْمَةً فَإِنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَوْحَيْتَ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ- إِلَى قَوْلِهِ- أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ» أَيْ خَلَقَ فِي قُلُوبِهِمُ التَّصْدِيقَ، يَعْنِي مَنْ لَمْ يُوَالِ مَنْ حَادَّ اللَّهَ. وَقِيلَ: كَتَبَ أَثْبَتَ، قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَقِيلَ: جَعَلَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ [[راجع ج ٤ ص ٩٧.]] أَيِ اجْعَلْنَا وَقَوْلُهُ «فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» [[راجع ج ٧ ص ٢٩٦.]] وَقِيلَ: «كَتَبَ» أَيْ جَمَعَ، وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ، أَيْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَقُولُ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِفَتْحِ الْكَافِ مِنْ «كَتَبَ» وَنَصْبِ النُّونِ مِنَ «الْإِيمَانَ» بِمَعْنَى كَتَبَ اللَّهُ وَهُوَ الْأَجْوَدُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَالْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ «كُتِبَ» عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ «الْإِيمَانُ» بِرَفْعِ النُّونِ. وَقَرَأَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ «وَعَشِيرَاتِهِمْ» بِأَلِفٍ وَكَسْرِ التَّاءِ عَلَى الْجَمْعِ، وَرَوَاهَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ. وَقِيلَ: كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ» أَيْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي جُذُوعِ [[راجع ج ١١ ص ٢٢٤ .]] النَّخْلِ وَخَصَّ الْقُلُوبَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ الْإِيمَانِ. «وَأَيَّدَهُمْ» قَوَّاهُمْ وَنَصَرَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ، قَالَ الْحَسَنُ: وَبِنَصْرٍ مِنْهُ. وَقَالَ الربيع بن أنس: بالقرآن وحججه. و؟ قال ابْنُ جُرَيْجٍ: بِنُورٍ وَإِيمَانٍ وَبُرْهَانٍ وَهُدًى. وَقِيلَ: بِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيَّدَهُمْ بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَيْ قَبِلَ أَعْمَالَهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ فَرِحُوا بِمَا أَعْطَاهُمْ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْجُرْجَانِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ، قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِلَهِي! مَنْ حِزْبُكَ وَحَوْلَ عَرْشِكَ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: «يَا دَاوُدُ الْغَاضَّةُ أَبْصَارُهُمْ، النَّقِيَّةُ قُلُوبُهُمْ، السَّلِيمَةُ أَكُفُّهُمْ، أُولَئِكَ حِزْبِي وَحَوْلَ عَرْشِي». ختمت والحمد لله سورة «المجادلة» ١٨ ربيع الثانى سنة ١٣٨٥ ١٥ اغسطس سنة ١٩٦٥ محقّقه أحمد عبد العليم البردونى ثم بعون الله تعالى الجزء السابع عَشَرَ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ. يَتْلُوهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى الجزء الثاني عشر، وأوّله: «سورة (الحشر)» [الجزء الثامن عشر]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب