قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: سَوَادُ الْوَجْهِ وَزُرْقَةُ الْأَعْيُنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) [[راجع ج ١١ ص ٢٤٤.]] وَقَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [[راجع ج ٤ ص ١٦٦.]].
(فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) أَيْ تَأْخُذُ الْمَلَائِكَةُ بنواصيهم، أي بشعور مقدم رؤوسهم وَأَقْدَامِهِمْ فَيَقْذِفُونَهُمْ فِي النَّارِ. وَالنَّوَاصِي جَمْعُ نَاصِيَةٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يُجْمَعُ بَيْنَ نَاصِيَتِهِ وَقَدَمَيْهِ فِي سِلْسِلَةٍ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ. وَعَنْهُ: يُؤْخَذُ بِرِجْلَيِ الرجل فيجمع بينهما وبين ناصية حَتَّى يَنْدَقَّ ظَهْرُهُ ثُمَّ يُلْقَى فِي النَّارِ. وَقِيلَ: يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ لِيَكُونَ أَشَدَّ لِعَذَابِهِ وَأَكْثَرَ لِتَشْوِيهِهِ. وَقِيلَ: تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى النَّارِ، تَارَةً تَأْخُذُ بِنَاصِيَتِهِ وَتَجُرُّهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَتَارَةً تَأْخُذُ بِقَدَمَيْهِ وَتَسْحَبُهُ عَلَى رَأْسِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ أَيْ يُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي أُخْبِرْتُمْ بِهَا فَكَذَّبْتُمْ.
(يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) قَالَ قَتَادَةُ: يَطُوفُونَ مَرَّةً بَيْنَ الْحَمِيمِ وَمَرَّةً بَيْنَ الْجَحِيمِ، وَالْجَحِيمُ النَّارُ، وَالْحَمِيمُ الشَّرَابُ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (آنٍ) ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا أَنَّهُ الَّذِي انْتَهَى حَرُّهُ وَحَمِيمُهُ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيُّ:
وَتُخْضَبْ لِحْيَةٌ غَدَرَتْ وَخَانَتْ ... بِأَحْمَرَ مِنْ نَجِيعِ الْجَوْفِ آنِ [[نجيع الجوف: يعنى الدم الخالص. وقبل البيت:
فان يقدر عليك أبو قبيس ... تمط بك المعيشة في هوان]]
قَالَ قَتَادَةُ: (آنٍ) طُبِخَ مُنْذُ خلق الله السموات وَالْأَرْضَ، يَقُولُ: إِذَا اسْتَغَاثُوا مِنَ النَّارِ جُعِلَ غِيَاثُهُمْ ذَلِكَ. وَقَالَ كَعْبٌ: (آنٍ) وَادٍ مِنْ أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النَّارِ فَيُغْمَسُونَ بِأَغْلَالِهِمْ فِيهِ حَتَّى تَنْخَلِعَ أَوْصَالُهُمْ، ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَقَدْ أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا فَيُلْقَوْنَ فِي النَّارِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾. وَعَنْ كَعْبٍ أَيْضًا: أَنَّهُ الْحَاضِرُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهُ الَّذِي قَدْ آنَ شُرْبُهُ وَبَلَغَ غَايَتَهُ. وَالنِّعْمَةُ فِيمَا وُصِفَ مِنْ هَوْلِ الْقِيَامَةِ وَعِقَابِ الْمُجْرِمِينَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الزَّجْرِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالتَّرْغِيبِ فِي الطَّاعَاتِ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ أَتَى عَلَى شَابٍّ فِي اللَّيْلِ يَقْرَأُ (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) فَوَقَفَ الشَّابُّ وَخَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ وَجَعَلَ يَقُولُ: وَيْحِي مِنْ يَوْمٍ تَنْشَقُّ فِيهِ السَّمَاءُ وَيْحِي! فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (وَيْحَكَ يا فتى مثلها فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ بَكَتْ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ لِبُكَائِكَ) [[في ب، ح، ز، س، ل، هـ: (من بكائك).]].
{"ayahs_start":41,"ayahs":["یُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِیمَـٰهُمۡ فَیُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَ ٰصِی وَٱلۡأَقۡدَامِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","هَـٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِی یُكَذِّبُ بِهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ","یَطُوفُونَ بَیۡنَهَا وَبَیۡنَ حَمِیمٍ ءَانࣲ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ"],"ayah":"یُعۡرَفُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ بِسِیمَـٰهُمۡ فَیُؤۡخَذُ بِٱلنَّوَ ٰصِی وَٱلۡأَقۡدَامِ"}