الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ﴾ يُقَالُ: فَرَغْتُ مِنَ الشُّغْلِ أَفْرُغُ فُرُوغًا وَفَرَاغًا وَتَفَرَّغْتُ لِكَذَا وَاسْتَفْرَغْتُ مَجْهُودِي فِي كَذَا أَيْ بَذَلْتُهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ شُغْلٌ يَفْرُغُ مِنْهُ، إِنَّمَا الْمَعْنَى سَنَقْصِدُ لِمُجَازَاتِكُمْ أَوْ مُحَاسَبَتِكُمْ، وَهَذَا وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ لَهُمْ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِمَنْ يُرِيدُ تَهْدِيدَهُ: إِذًا أَتَفَرَّغُ لَكَ أَيْ أَقْصِدُكَ. وَفَرَغَ بِمَعْنَى قَصَدَ، وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي مِثْلِ هَذَا لِجَرِيرٍ: الْآنَ وَقَدْ فَرَغْتُ إِلَى نُمَيْرٍ ... فَهَذَا حِينَ كُنْتُ لَهَا عَذَابَا يُرِيدُ وَقَدْ قَصَدْتُ. وَقَالَ أَيْضًا [[أي جرير.]] وَأَنْشَدَهُ النَّحَّاسُ: فَرَغْتُ إِلَى الْعَبْدِ الْمُقَيَّدِ فِي الْحِجْلِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا بَايَعَ الْأَنْصَارَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، صَاحَ الشيطان: يأهل الْجُبَاجِبِ [[الجباجب: منازل منى]]! هَذَا مُذَمَّمٌ يُبَايِعُ بَنِي قَيْلَةَ عَلَى حَرْبِكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (هَذَا إِزْبُ الْعَقَبَةِ [[الأزب: ضبطه الحلبي في سيرته بكسر الهمزة واسكان الزاي، وهو هنا اسم شيطان.]] أَمَا وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ الله لا تفرغن لَكَ) أَيْ أَقْصِدُ إِلَى إِبْطَالِ أَمْرِكَ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقُتَبِيِّ وَالْكِسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ عَلَى التَّقْوَى وَأَوْعَدَ عَلَى الْفُجُورِ، ثُمَّ قَالَ: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) مِمَّا وَعَدْنَاكُمْ وَنُوصِلُ كُلًّا إِلَى مَا وَعَدْنَاهُ، أَيْ أَقْسِمُ ذَلِكَ وَأَتَفَرَّغُ مِنْهُ. قَالَهُ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَأُبَيٌّ (سَنَفْرُغُ إِلَيْكُمْ) وَقَرَأَ الأعمش وإبراهيم (سَيُفْرَغُ لَكُمْ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَرَأَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْأَعْرَجُ (سَنَفْرَغُ لَكُمْ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالرَّاءِ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: هِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ يَقُولُونَ فَرَغَ يَفْرَغُ، وَحَكَى أَيْضًا فَرَغَ يَفْرَغُ وَرَوَاهُمَا هُبَيْرَةُ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ. وَرَوَى الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو (سَيَفْرَغُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالرَّاءِ، وَرُوِيَتْ عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ. وَرُوِيَ عَنْ عِيسَى الثَّقَفِيِّ (سَنِفْرَغُ لَكُمْ) بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (سَيَفْرُغُ لَكُمْ) بِالْيَاءِ. الْبَاقُونَ بِالنُّونِ وَهِيَ لُغَةُ تِهَامَةَ. وَالثَّقَلَانِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، سُمِّيَا بِذَلِكَ لِعِظَمِ شَأْنِهِمَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِهِمَا بِسَبَبِ التَّكْلِيفِ. وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ثِقْلٌ عَلَى الْأَرْضِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) [[راجع ج ٢٠ ص ١٤٧.]] وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَعْطِهِ ثِقْلَهُ أَيْ وَزْنَهَ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ المعاني: كل شي لَهُ قَدْرٌ وَوَزْنٌ يُنَافَسُ فِيهِ فَهُوَ ثِقْلٌ. وَمِنْهُ قِيلَ لِبَيْضِ النَّعَامِ ثِقْلٌ، لِأَنَّ وَاجِدَهُ وَصَائِدَهُ يَفْرَحُ بِهِ إِذَا ظَفِرَ بِهِ. وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: سُمِّيَا ثَقَلَيْنِ، لِأَنَّهُمَا مُثْقَلَانِ بِالذُّنُوبِ. وَقَالَ: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) فَجَمَعَ، ثُمَّ قَالَ: (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) لِأَنَّهُمَا فَرِيقَانِ وَكُلُّ فَرِيقٍ جَمْعٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ وَلَمْ يَقُلْ إِنِ اسْتَطَعْتُمَا، لِأَنَّهُمَا فَرِيقَانِ فِي حَالِ الْجَمْعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) [[راجع ج ١٣ ص ٢١٤.]] وَ (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا [[راجع ج ١٢ ص ٢٥ وص ٢٣٨ وج ١٦ ص (٩٧)]] فِي رَبِّهِمْ) وَلَوْ قَالَ: سَنَفْرُغُ لَكُمَا [[أي في غير القرآن.]]، وَقَالَ: إِنِ اسْتَطَعْتُمَا لَجَازَ. وَقَرَأَ أَهْلُ الشَّامِ (أَيُّهُ الثَّقَلَانِ) بِضَمِّ الْهَاءِ. الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ [[راجع ج ١٢ ص ٢٥ وص ٢٣٨ وج ١٦ ص (٩٧)]]. مَسْأَلَةٌ- هَذِهِ السُّورَةُ وَ (الْأَحْقَافُ) وَ (قُلْ أُوحِيَ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ مُخَاطَبُونَ مُكَلَّفُونَ مَأْمُورُونَ مَنْهِيُّونَ مُثَابُونَ مُعَاقَبُونَ كَالْإِنْسِ سَوَاءٌ، مُؤْمِنُهِمْ كَمُؤْمِنِهِمْ، وَكَافِرُهِمْ كَكَافِرِهِمْ، لَا فَرْقَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي شي مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ الْآيَةَ. ذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: وَأَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَمَرَ اللَّهُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَتَشَقَّقَتْ بِأَهْلِهَا، فَتَكُونُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى حَافَّاتِهَا حَتَّى يَأْمُرَهُمُ الرَّبُّ، فَيَنْزِلُونَ إِلَى الْأَرْضِ فَيُحِيطُونَ بِالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهَا، ثُمَّ يأمر الله السماء التي تليها كَذَلِكَ فَيَنْزِلُونَ فَيَكُونُونَ صَفًّا مِنْ خَلْفِ [[في ب، ز، ح، س، د: (في جوف ذلك الصف).]] ذَلِكَ الصَّفِّ، ثُمَّ السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ الرَّابِعَةَ ثُمَّ الْخَامِسَةَ ثُمَّ السَّادِسَةَ ثُمَّ السَّابِعَةَ، فَيَنْزِلُ الْمَلِكُ الْأَعْلَى فِي بَهَائِهِ وَمُلْكِهِ وَمُجَنَّبَتِهِ الْيُسْرَى جَهَنَّمُ، فَيَسْمَعُونَ زَفِيرَهَا وَشَهِيقَهَا، فَلَا يَأْتُونَ قُطْرًا مِنْ أَقْطَارِهَا إِلَّا وَجَدُوا صُفُوفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ﴾ وَالسُّلْطَانُ الْعُذْرُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَيْضًا: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمُ انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ، وَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ، فَتَهْرُبُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، فَتُحْدِقُ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ﴾ ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. قُلْتُ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا، وَعَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ. وَعَنِ الضَّحَّاكِ أَيْضًا: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْمَوْتِ فَاهْرُبُوا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تعلموا ما في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ فَاعْلَمُوهُ، وَلَنْ تَعْلَمُوهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ أَيْ بِبَيِّنَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَى: (لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) لَا تَخْرُجُونَ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي عَلَيْكُمْ. قَتَادَةُ: لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِمَلَكٍ وَلَيْسَ لَكُمْ مَلَكٌ. وَقِيلَ: لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا إِلَى سُلْطَانٍ [[في ب: (إلى سلطاني).]]، الْبَاءُ بِمَعْنَى إِلَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَقَدْ أَحْسَنَ [[راجع ج ٩ ص ٢٦٧.]] بِي) أَيْ إِلَيَّ. قَالَ الشَّاعِرُ [[هو كثير عزة.]]: أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُولَةٌ ... لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةٌ إِنْ تَقَلَّتِ وَقَوْلُهُ: (فَانْفُذُوا) أَمْرُ تَعْجِيزٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ﴾ أَيْ لَوْ خَرَجْتُمْ أُرْسِلَ عَلَيْكُمْ شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ، وَأَخَذَكُمُ الْعَذَابُ الْمَانِعُ مِنَ النُّفُوذِ. وَقِيلَ: لَيْسَ هَذَا مُتَعَلِّقًا بِالنُّفُوذِ بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُعَاقِبُ الْعُصَاةَ عَذَابًا بِالنَّارِ. وَقِيلَ: أَيْ بِآلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ عُقُوبَةً عَلَى ذَلِكَ التَّكْذِيبِ. وَقِيلَ: يُحَاطُ عَلَى الْخَلَائِقِ بِالْمَلَائِكَةِ وَبِلِسَانٍ مِنْ نَارٍ ثُمَّ يُنَادَوْنَ (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)، فَتِلْكَ النَّارُ قَوْلُهُ: (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ) وَالشُّوَاظُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ اللَّهَبُ الَّذِي لَا دُخَانَ لَهُ. وَالنُّحَاسُ: الدُّخَانُ الَّذِي لَا لَهَبَ فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ يَهْجُو حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَذَا وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ والماوردي بن أَبِي الصَّلْتِ، وَفِي (الصِّحَاحِ) وَ (الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ) لابن الباري: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ: أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ حَسَّانَ عَنِّي ... مُغَلْغَلَةً تَدُبُّ إِلَى عُكَاظِ أَلَيْسَ أبوك فينا كان فينا ... لَدَى الْقَيْنَاتِ فَسْلًا فِي الْحِفَاظِ يَمَانِيًّا يَظَلُّ يَشُدُّ كِيرًا ... وَيَنْفُخُ دَائِبًا لَهَبَ الشُّوَاظِ فَأَجَابَهُ حَسَّانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: هَجَوْتُكَ فَاخْتَضَعْتَ لَهَا بِذُلٍّ ... بِقَافِيَّةٍ تَأَجَّجُ كَالشُّوَاظِ [[وفى التاج بدل هذا البيت: مجللة تعممه شنارا ... مضرمة تأجج كالشواظ والفسل من الرجال: الرذل الذي لا مروءة له ولا جلد. والمفسول مثله.]] وَقَالَ رُؤْبَةُ: إِنَّ لَهُمْ مِنْ وَقْعِنَا أَقْيَاظَا ... وَنَارَ حَرْبٍ تُسْعِرُ الشُّوَاظَا وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الشُّوَاظُ اللَّهَبُ الْأَخْضَرُ الْمُنْقَطِعُ مِنَ النَّارِ. الضَّحَّاكُ: هُوَ الدُّخَانُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ اللَّهَبِ لَيْسَ بِدُخَانِ الْحَطَبِ. وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الشُّوَاظَ النار والدخان جميعا، قاله أبو عَمْرٌو وَحَكَاهُ الْأَخْفَشُ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (شُواظٌ) بِكَسْرِ الشِّينِ. الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ وَهُمَا لُغَتَانِ، مِثْلَ صُوَارٍ وَصِوَارٍ لِقَطِيعِ الْبَقَرِ. (وَنُحاسٌ) قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ (وَنُحاسٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى (شُواظٌ). وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو عَمْرٍو (وَنُحَاسٍ) بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى النَّارِ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: مَنْ قَالَ إِنَّ الشُّوَاظَ النَّارُ والدخان جميعا فالجر في (نحاس) عَلَى هَذَا بَيِّنٌ. فَأَمَّا الْجَرُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الشُّوَاظَ اللَّهَبَ الَّذِي لَا دُخَانَ فِيهِ فَبَعِيدٌ لَا يَسُوغُ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ مَوْصُوفٍ كَأَنَّهُ قَالَ: (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ) وشئ من نحاس، فشى مَعْطُوفٌ عَلَى شُوَاظٍ، وَمِنْ نُحَاسٍ جُمْلَةٌ هِيَ صفة لشيء، وحذف شي، وَحُذِفَتْ مِنْ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهَا فِي (مِنْ نارٍ) كَمَا حُذِفَتْ عَلَى مِنْ قَوْلِهِمْ: عَلَى مَنْ تَنْزِلُ أَنْزِلُ [أَيْ [[زيادة يقتضيها السياق.]]] عَلَيْهِ. فَيَكُونُ (نُحَاسٌ) عَلَى هذا مجرورا بمن الْمَحْذُوفَةِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَحُمَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ (وَنِحَاسٌ) بِكَسْرِ النُّونِ لُغَتَانِ كَالشُّوَاظِ وَالشِّوَاظِ. وَالنِّحَاسُ بِالْكَسْرِ أَيْضًا الطَّبِيعَةُ وَالْأَصْلُ، يُقَالُ: فُلَانٌ كَرِيمُ النِّحَاسِ وَالنُّحَاسِ أَيْضًا بِالضَّمِّ أَيْ كَرِيمُ النِّجَارِ [[النجار- بكسر النون وضمها- الأصل والحسب.]]. وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدَبٍ (وَنَحْسٌ) بِالرَّفْعِ. وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيِّ (وَنَحْسٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى نَارٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (وَنُحاسٌ) بِالْكَسْرِ جَمْعُ نَحْسٍ كَصَعْبٍ وَصِعَابٍ (وَنَحْسٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى (شُواظٌ) وَعَنِ الْحَسَنِ (وَنُحُسٌ) بِالضَّمِّ [فِيهِمَا [[الذي في الأصول: (بالضم فيهن) وما أثبتناه هو ما عليه كتب التفسير أي بضمتين وكسر السين.]]] جَمْعُ نَحْسٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ وَنُحُوسٌ فَقُصِرَ بِحَذْفِ وَاوِهِ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) [[راجع ج ١٠ ص ٩١.]]. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ (وَنَحُسُّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ مِنْ حَسَّ يَحُسُّ حَسًّا إِذَا اسْتَأْصَلَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [[راجع ج ٤ ص ٢٣٣.]] وَالْمَعْنَى وَنُقْتَلُ بِالْعَذَابِ. وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى (وَنُحاسٌ) فَهُوَ الصُّفْرُ الْمُذَابُ يُصَبُّ على رؤوسهم، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وعن ابن عباس أيضا وسعيد ابن جُبَيْرٍ أَنَّ النُّحَاسَ الدُّخَانُ الَّذِي لَا لَهَبَ فِيهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْخَلِيلِ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَ نَابِغَةُ بني جعدة: يضئ كَضَوْءِ سِرَاجِ السَّلِي ... طِ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ نُحَاسَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ السَّلِيطُ دُهْنُ السِّمْسِمِ بِالشَّامِ وَلَا دُخَانَ فِيهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هِيَ خَمْسَةُ أَنْهَارٍ مِنْ صُفْرٍ مُذَابٍ، تَجْرِي مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ عَلَى رُءُوسِ أَهْلِ النَّارِ، ثَلَاثَةُ أَنْهَارٍ عَلَى مِقْدَارِ اللَّيْلِ وَنَهَرَانِ عَلَى مِقْدَارِ النَّهَارِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: النُّحَاسُ الْمُهْلُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ دُرْدِيُّ الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ النَّارُ الَّتِي لَهَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ. (فَلا تَنْتَصِرانِ) أَيْ لَا يَنْصُرُ بعضكم بعضا يعني الجن والانس.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب