الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ﴾ الضَّمِيرُ فِي (عَلَيْها) لِلْأَرْضِ، وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ أَكْرَمُ مَنْ عَلَيْهَا، يَعْنُونَ الْأَرْضَ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ هَلَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ فَنَزَلَتْ: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [[راجع ج ١٣ ص ٣٢٢.]] فَأَيْقَنَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالْهَلَاكِ، وَقَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَوَجْهُ النِّعْمَةِ فِي فَنَاءِ الْخَلْقِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَوْتِ، وَمَعَ الْمَوْتِ تَسْتَوِي الْأَقْدَامُ. وَقِيلَ: وَجْهُ النِّعْمَةِ أَنَّ الْمَوْتَ سَبَبُ النَّقْلِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ. (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) أَيْ وَيَبْقَى اللَّهُ، فَالْوَجْهُ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِهِ وَذَاتِهِ سُبْحَانَهُ، قَالَ الشَّاعِرُ: قَضَى عَلَى خلقه المنايا ... فكل شي سِوَاهُ فَانِي وَهَذَا الَّذِي ارْتَضَاهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَائِنَا: ابْنُ فَوْرَكٍ وَأَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْوَجْهُ عِبَارَةٌ عَنْهُ كَمَا قَالَ: (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَأَمَّا الْوَجْهُ فَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ مُعْظَمِ أَئِمَّتِنَا وُجُودُ الْبَارِي تَعَالَى، وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ شَيْخُنَا. وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) والموصف بِالْبَقَاءِ عِنْدَ تَعَرُّضِ الْخَلْقِ لِلْفَنَاءِ وُجُودُ الْبَارِي تَعَالَى. وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ) [[راجع ج ٢ ص ٨٣.]] الْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكِتَابِ الْأَسْنَى مُسْتَوْفًى. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: قَالَ قَوْمٌ هُوَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ لَا تُكَيَّفُ، يَحْصُلُ بِهَا الْإِقْبَالُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الرَّبُّ تَخْصِيصَهُ بِالْإِكْرَامِ. وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ: وَجْهُهُ وُجُودُهُ وَذَاتُهُ، يُقَالُ: هذا وجه الامر وَوَجْهُ الصَّوَابِ وَعَيْنُ الصَّوَابِ. وَقِيلَ: أَيْ يَبْقَى الظَّاهِرُ بِأَدِلَّتِهِ كَظُهُورِ الْإِنْسَانِ بِوَجْهِهِ. وَقِيلَ: وَتَبْقَى الْجِهَةُ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ. (ذُو الْجَلالِ) الْجَلَالُ عَظَمَةُ اللَّهِ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَاسْتِحْقَاقُهُ صِفَاتَ الْمَدْحِ، يُقَالُ: جَلَّ الشَّيْءُ أَيْ عَظُمَ وَأَجْلَلْتُهُ أَيْ عَظَّمْتُهُ، وَالْجَلَالُ اسْمٌ مِنْ جَلَّ. (وَالْإِكْرامِ) أي هو أهل لان يكرم عمالا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الشِّرْكِ، كَمَا تَقُولُ: أَنَا أُكْرِمُكَ عَنْ هَذَا، وَمِنْهُ إِكْرَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ. وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى هَذَيْنِ، الِاسْمَيْنِ لُغَةً وَمَعْنًى فِي الْكِتَابِ الْأَسْنَى مُسْتَوْفًى. وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (أَلِظُّوا بيا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ). وَرُوِيَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَعْنَاهُ: الْزَمُوا ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ. قال أبو عبيد: الْإِلْظَاظُ لُزُومُ الشَّيْءِ وَالْمُثَابَرَةُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: الْإِلْظَاظُ الْإِلْحَاحُ. وَعَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ. أَنَّ رَجُلًا أَلَحَّ فَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ! اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ! فَنُودِيَ: إِنِّي قد سمعت فما حاجتك؟
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب