الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيانِ﴾ (مَرَجَ) أَيْ خَلَّى وَأَرْسَلَ وَأَهْمَلَ، يُقَالُ: مَرَجَ السُّلْطَانُ النَّاسَ إِذَا أَهْمَلَهُمْ. وَأَصْلُ الْمَرْجِ الْإِهْمَالُ كَمَا تُمْرَجُ الدَّابَّةُ فِي الْمَرْعَى. وَيُقَالُ: مَرَجَ خَلَطَ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: وَيَقُولُ قَوْمٌ أَمْرَجَ الْبَحْرَيْنِ مِثْلَ مَرَجَ، فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى. (الْبَحْرَيْنِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَحْرُ السَّمَاءِ وَبَحْرُ الْأَرْضِ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. (يَلْتَقِيانِ) فِي كُلِّ عَامٍ. وَقِيلَ: يَلْتَقِي طَرَفَاهُمَا. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: بَحْرُ فَارِسَ وَالرُّومِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِنَّهُ الْبَحْرُ الْمَالِحُ وَالْأَنْهَارُ الْعَذْبَةُ. وَقِيلَ: بحر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهم. وَقِيلَ: بَحْرُ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ. (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) أَيْ حَاجِزٌ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الْأَرْضُ الَّتِي بَيْنَهُمَا وَهِيَ الْحِجَازُ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. وَعَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَقْوَالِ الْقُدْرَةُ الْإِلَهِيَّةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي (الْفُرْقَانِ) [[راجع ج ١٣ ص ٥٨.]]. وَفِي الْخَبَرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ (أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ النَّاحِيَةَ الْغَرْبِيَّةَ فقال: إني جاعل فيك عبادا لي يسبحوني ويكبروني ويهللوني ويمجدوني فَكَيْفَ أَنْتِ لَهُمْ؟ فَقَالَتْ: أُغْرِقُهُمْ يَا رَبِّ. قَالَ: إِنِّي أَحْمِلُهُمْ عَلَى يَدِي، وَأَجْعَلُ بَأْسَكِ فِي نَوَاحِيكِ. ثُمَّ كَلَّمَ النَّاحِيَةَ الشَّرْقِيَّةَ فَقَالَ: إني جاعل فيك عبادا يسبحوني ويكبروني ويهللوني ويمجدوني فَكَيْفَ أَنْتِ لَهُمْ؟ قَالَتْ: أُسَبِّحُكَ مَعَهُمْ إِذَا سَبَّحُوكَ، وَأُكَبِّرُكَ مَعَهُمْ إِذَا كَبَّرُوكَ، وَأُهَلِّلُكَ مَعَهُمْ إِذَا هَلَّلُوكَ، وَأُمَجِّدُكَ مَعَهُمْ إِذَا مَجَّدُوكَ، فَأَثَابَهَا اللَّهُ الْحِلْيَةَ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا، وَتَحَوَّلَ أَحَدُهُمَا مِلْحًا أُجَاجًا، وَبَقِيَ الْآخَرُ عَلَى حَالَتِهِ عَذْبًا فُرَاتًا) ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ الْعُمَرِيُّ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: (لَا يَبْغِيانِ) قَالَ قَتَادَةُ: لَا يَبْغِيَانِ عَلَى النَّاسِ فَيُغْرِقَانِهِمْ، جَعَلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَبَسًا [[في ب، ح، ز، س، ل، هـ: (اليبس).]]. وَعَنْهُ أَيْضًا وَمُجَاهِدٍ: لَا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَيَغْلِبَهُ. ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى (لَا يَبْغِيانِ) أَنْ يَلْتَقِيَا، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، لَوْلَا الْبَرْزَخُ الَّذِي بَيْنَهُمَا لَا يَبْغِيَانِ أَنْ يَلْتَقِيَا. وَقِيلَ: الْبَرْزَخُ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَيْ بَيْنَهُمَا مُدَّةٌ قَدَّرَهَا اللَّهُ وَهِيَ مُدَّةُ الدُّنْيَا فَهُمَا لَا يَبْغِيَانِ، فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ فِي انْقِضَاءِ الدُّنْيَا صَارَ البحران شيئا واحدا، وهو كقوله وتعالى: (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) [[راجع ج ١٩ ص (٢٤٢)]]. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: الْبَحْرَانِ طَرِيقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْبَرْزَخُ الَّذِي بَيْنَهُمَا التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ﴾ [أَيْ يَخْرُجُ لَكُمْ مِنَ الْمَاءِ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [[ما بين المربعين ساقط من ز، ل.]]]، كَمَا يَخْرُجُ مِنَ التُّرَابِ الْحَبُّ والعصف والريحان. وقرا نافع وأبو عمر (يُخْرَجُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ. الْبَاقُونَ (يَخْرُجُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ عَلَى أَنَّ اللُّؤْلُؤَ هُوَ الْفَاعِلُ. وَقَالَ: (مِنْهُمَا) وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ الْمِلْحِ لَا الْعَذْبِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَجْمَعُ الْجِنْسَيْنِ ثُمَّ تُخْبِرُ عَنْ أَحَدِهِمَا، كقوله تعالى: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ [[راجع ج ٧ ص (٨٥)]] نْكُمْ) وإنما الرسل من الانس دون الجن، قاله الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: قَدْ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فإذا خرج من أحدهما شي فَقَدْ خَرَجَ مِنْهُمَا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ» نُوراً) وَالْقَمَرُ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا وَلَكِنْ أَجْمَلَ ذِكْرَ السَّبْعِ فَكَأَنَّ مَا فِي إِحْدَاهُنَّ فِيهِنَّ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: هَذَا مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ مِنْ إِحْدَاهُمَا، كَقَوْلِهِ: (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ [[راجع ج ١٦ ص ٨٢]] عَظِيمٍ) أَيْ مِنْ إِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ سَعِيدٌ: زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ مِنَ الْعَذْبِ. وَقِيلَ: هُمَا بَحْرَانِ يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا اللُّؤْلُؤُ وَمِنَ الْآخَرِ الْمَرْجَانُ. ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا بَحْرَا السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. فَإِذَا وَقَعَ مَاءُ السَّمَاءِ فِي صَدَفِ الْبَحْرِ انْعَقَدَ لُؤْلُؤًا فَصَارَ خَارِجًا مِنْهُمَا، وَقَالَهُ الطَّبَرِيُّ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَلَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ نَوَاةً كَانَتْ فِي جَوْفِ صَدَفَةٍ، فَأَصَابَتِ الْقَطْرَةُ بَعْضَ النَّوَاةِ وَلَمْ تُصِبِ الْبَعْضَ، فَكَانَ حَيْثُ أَصَابَ الْقَطْرَةَ مِنَ النَّوَاةِ لُؤْلُؤَةٌ وَسَائِرُهَا نَوَاةٌ. وَقِيلَ: إِنَّ الْعَذْبَ وَالْمِلْحَ قَدْ يَلْتَقِيَانِ، فَيَكُونُ الْعَذْبُ كَاللِّقَاحِ لِلْمِلْحِ، فَنُسِبَ إِلَيْهِمَا كَمَا يُنْسَبُ الْوَلَدُ إِلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَإِنْ وَلَدَتْهُ الْأُنْثَى، لِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ إلا من موضع يَلْتَقِي فِيهِ الْعَذْبُ وَالْمِلْحُ. وَقِيلَ: الْمَرْجَانُ عِظَامُ اللُّؤْلُؤِ وَكِبَارُهُ، قَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَاللُّؤْلُؤُ صِغَارُهُ. وَعَنْهُمَا أَيْضًا بِالْعَكْسِ: إِنَّ اللُّؤْلُؤَ كِبَارُ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانَ صِغَارُهُ، وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مَالِكٍ: المرجان الخرز الأحمر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب