الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾ أَخْبَرَ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ أَيْضًا لَمَّا كَذَّبُوا لُوطًا. (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) أَيْ رِيحًا تَرْمِيهِمْ بِالْحَصْبَاءِ وَهِيَ الْحَصَى، قَالَ النَّضْرُ: الْحَاصِبُ الْحَصْبَاءُ فِي الرِّيحِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْحَاصِبُ الْحِجَارَةُ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالْحَاصِبُ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ الَّتِي تُثِيرُ الْحَصْبَاءَ وَكَذَلِكَ الْحَصِبَةُ، قَالَ لَبِيَدٌ: جَرَّتْ عَلَيْهَا أَنْ خَوَتْ مِنْ أَهْلِهَا ... أَذْيَالَهَا كُلُّ عَصُوفٍ حَصِبَهْ عَصَفَتِ الرِّيحُ أَيِ اشْتَدَّتْ فَهِيَ رِيحٌ عَاصِفٌ وَعَصُوفٌ. وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ: مُسْتَقْبِلِينَ شَمَالَ الشَّامِ تَضْرِبُنَا ... بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ الْقُطْنِ مَنْثُورِ (إِلَّا آلَ لُوطٍ) يَعْنِي مَنْ تَبِعَهُ عَلَى دِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا بِنْتَاهُ (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) قَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّمَا أَجْرَاهُ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ، وَلَوْ أَرَادَ سَحَرَ يوم بِعَيْنِهِ لَمَا أَجْرَاهُ، وَنَظِيرُهُ: (اهْبِطُوا مِصْراً) [[راجع ج ١ ص ٤٢٩.]] لَمَّا نَكَّرَهُ، فَلَمَّا عَرَّفَهُ فِي قَوْلِهِ: (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ [[راجع ج ٩ ص ٢٦٣.]] اللَّهُ) لَمْ يُجْرِهِ، وَكَذَا قَالَ الزجاج: (بِسَحَرٍ) إِذَا كَانَ نَكِرَةً يُرَادُ بِهِ سَحَرٌ مِنَ الْأَسْحَارِ يُصْرَفُ، تَقُولُ أَتَيْتُهُ سَحَرًا، فَإِذَا أَرَدْتَ سحر يومك لَمْ تَصْرِفْهُ، تَقُولُ: أَتَيْتُهُ سَحَرَ يَا هَذَا، وَأَتَيْتُهُ بِسَحَرَ. وَالسَّحَرُ: هُوَ مَا بَيْنَ آخِرِ اللَّيْلِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهُوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اخْتِلَاطُ سَوَادِ اللَّيْلِ بِبَيَاضِ أَوَّلِ النَّهَارِ، لِأَنَّ فِي هَذَا الْوَقْتِ يَكُونُ مَخَايِيلُ اللَّيْلِ وَمَخَايِيلُ النَّهَارِ. (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا) إِنْعَامًا مِنَّا عَلَى لُوطٍ وَابْنَتَيْهِ، فَهُوَ نُصِبَ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ. (كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) أَيْ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَأَطَاعَهُ. (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ) يَعْنِي لُوطًا خَوَّفَهُمْ (بَطْشَتَنا) عُقُوبَتَنَا وَأَخْذَنَا إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) أَيْ شَكُّوا فِيمَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، وَهُوَ تَفَاعُلٌ مِنَ الْمِرْيَةِ. (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) أَيْ أَرَادُوا مِنْهُ تَمْكِينَهُمْ مِمَّنْ كَانَ أَتَاهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي هَيْئَةِ الْأَضْيَافِ طَلَبًا لِلْفَاحِشَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ [[راجع ج ٩ ص ٧٣.]]. يُقَالُ: رَاوَدْتُهُ عَلَى، كَذَا مُرَاوَدَةً وَرِوَادًا أَيْ أَرَدْتُهُ. وَرَادَ الْكَلَأُ يَرُودُهُ رَوْدًا وَرِيَادًا، وَارْتَادَهُ ارْتِيَادًا بِمَعْنًى أَيْ طَلَبَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ: (إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ) أَيْ يَطْلُبُ مَكَانًا لَيِّنًا أَوْ مُنْحَدِرًا. (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَرَبَهُمْ بِجَنَاحِهِ فَعَمُوا. وَقِيلَ: صَارَتْ أَعْيُنُهُمْ كَسَائِرِ الْوَجْهِ لَا يُرَى لَهَا شَقٌّ، كَمَا تَطْمِسُ الرِّيحُ الْأَعْلَامَ بِمَا تُسْفِي عَلَيْهَا مِنَ التُّرَابِ. وَقِيلَ: لَا، بَلْ أَعْمَاهُمُ اللَّهُ مَعَ صِحَّةِ أَبْصَارِهِمْ فَلَمْ يَرَوْهُمْ. قَالَ الضَّحَّاكُ: طَمَسَ اللَّهُ عَلَى أَبْصَارِهِمْ فَلَمْ يَرَوُا الرُّسُلَ، فَقَالُوا: لَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ حِينَ دَخَلُوا الْبَيْتَ فَأَيْنَ ذَهَبُوا؟ فَرَجَعُوا وَلَمْ يَرَوْهُمْ. (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) أَيْ فَقُلْنَا لَهُمْ ذُوقُوا، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْخَبَرُ، أَيْ فَأَذَقْتُهُمْ عَذَابِي الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ لُوطٌ. (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) أَيْ دَائِمٌ عَامٌّ اسْتَقَرَّ فِيهِمْ حَتَّى يُفْضِيَ بِهِمْ إِلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ. وَذَلِكَ الْعَذَابُ قَلْبُ قَرْيَتِهِمْ عَلَيْهِمْ وَجَعْلُ أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا. وَ (بُكْرَةً) هُنَا نَكِرَةٌ فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ. (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) الْعَذَابُ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ مِنْ طَمْسِ الْأَعْيُنِ غَيْرُ الْعَذَابِ الَّذِي أُهْلِكُوا بِهِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ التَّكْرِيرُ. (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [تقدم [[زيادة من ى.]] ]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب