الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَذَّبَتْ عادٌ﴾ هُمْ قَوْمُ هُودٍ. (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) وَقَعَتْ (نُذُرِ) فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي سِتَّةِ أَمَاكِنَ مَحْذُوفَةَ الْيَاءَ فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ، وَقَرَأَهَا يَعْقُوبُ مُثْبَتَةً فِي الْحَالَيْنِ، وَوَرْشٌ فِي الْوَصْلِ لَا غَيْرَ، وَحَذَفَ الْبَاقُونَ. وَلَا خِلَافَ فِي حَذْفِ الْيَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) وَالْوَاوُ مِنْ قَوْلِهِ: (يَدْعُ) فأما الياء من (الدَّاعِ) الأول فَأَثْبَتَهَا فِي الْحَالَيْنِ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَيَعْقُوبُ وَحُمَيْدٌ وَالْبَزِّيُّ، وَأَثْبَتَهَا وَرْشٌ وَأَبُو عَمْرٍو فِي الْوَصْلِ، وحذفها الْبَاقُونَ. وَأَمَّا الدَّاعِ) الثَّانِيَةُ فَأَثْبَتَهَا يَعْقُوبُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ فِي الْحَالَيْنِ، وَأَثْبَتَهَا أَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ فِي الْوَصْلِ، وَحَذَفَهَا الْبَاقُونَ. (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) أَيْ شَدِيدَةَ الْبَرْدِ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: شَدِيدَةُ الصَّوْتِ. وَقَدْ مَضَى فِي (حم السَّجْدَةِ) [[راجع ج ١٥ ص ٣٤٧.]]. (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) أَيْ فِي يَوْمٍ كَانَ مَشْئُومًا عَلَيْهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ فِي يَوْمٍ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهِ. الزَّجَّاجُ: قِيلَ فِي يَوْمِ أَرْبِعَاءَ. ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ آخِرُ أَرْبِعَاءَ فِي الشَّهْرِ أفنى صغيرهم وكبيرهم. وقرا هرون الْأَعْوَرُ (نَحْسٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فيه في حم السجدة (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ). وَ (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) أَيْ دَائِمُ الشُّؤْمِ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ بِنُحُوسِهِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْعَذَابُ إِلَى الْهَلَاكِ. وَقِيلَ: اسْتَمَرَّ بِهِمْ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَ مُرًّا عَلَيْهِمْ. وَكَذَا حَكَى الْكِسَائِيُّ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا هُوَ مِنَ الْمَرَارَةِ، يُقَالُ: مُرَّ الشَّيْءُ وَأَمَرَّ أَيْ كَانَ كَالشَّيْءِ الْمُرِّ تَكْرَهُهُ النُّفُوسُ. وَقَدْ قَالَ: (فَذُوقُوا) وَالَّذِي يُذَاقُ قَدْ يَكُونُ مُرًّا. وَقَدْ قِيلَ: هُوَ مِنَ الْمِرَّةِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ أَيْ فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ مُسْتَحْكِمِ الشُّؤْمِ كَالشَّيْءِ الْمُحْكَمِ الْفَتْلِ الَّذِي لَا يُطَاقُ نَقْضُهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ يَوْمَ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ فَكَيْفَ يُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ؟ وَقَدْ جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِ فِيمَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ) [[راجع ج ٢ ص ٣١٣.]] حَدِيثُ جَابِرٍ بِذَلِكَ. فَالْجَوَابُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- مَا جَاءَ فِي خَبَرٍ يَرْوِيهِ مَسْرُوقٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْضِيَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَقَالَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ يَوْمُ نَحْسٍ مستمر ( وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَحْسٌ عَلَى الصَّالِحِينَ [[في ى: (المصلحين).]]، بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ نَحْسٌ عَلَى الْفُجَّارِ وَالْمُفْسِدِينَ، كَمَا كَانَتِ الْأَيَّامُ النَّحِسَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ، نَحِسَاتٍ عَلَى الْكُفَّارِ مِنْ قَوْمِ عَادٍ لَا عَلَى نَبِيِّهِمْ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُمْهَلَ الظَّالِمُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ إِلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِذَا أَدْبَرَ النَّهَارُ وَلَمْ يُحْدِثْ رَجْعَةً اسْتُجِيبَ دُعَاءُ الْمَظْلُومِ عَلَيْهِ، فَكَانَ الْيَوْمُ نَحْسًا عَلَى الظَّالِمِ، وَدُعَاءُ النَّبِيِّ ﷺ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الْكُفَّارِ، وَقَوْلُ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ (لَمْ يَنْزِلْ بِي أَمْرٌ غليظ) إشارة إلى هذا. والله أعلم. قوله تعالى: (تَنْزِعُ النَّاسَ) فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِلرِّيحِ أَيْ تَقْلَعُهُمْ مِنْ مَوَاضِعِهِمْ. قِيلَ: قَلَعَتْهُمْ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِمُ اقْتِلَاعَ النَّخْلَةِ مِنْ أَصْلِهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتْ تَقْلَعُهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، فَتَرْمِي بِهِمْ عَلَى رؤوسهم فتندق أعناقهم وتبين رؤوسهم عَنْ أَجْسَادِهِمْ. وَقِيلَ: تَنْزِعُ النَّاسَ مِنَ الْبُيُوتِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (انْتَزَعَتِ الرِّيحُ النَّاسَ مِنْ قُبُورِهِمْ). وَقِيلَ: حَفِرُوا حُفَرًا وَدَخَلُوهَا فَكَانَتِ الرِّيحُ تَنْزِعُهُمْ مِنْهَا وَتَكْسِرُهُمْ، وَتُبْقِي تِلْكَ الْحُفَرَ كَأَنَّهَا أُصُولُ نَخْلٍ [قَدْ [[زيادة من ى.]]] هَلَكَ مَا كَانَ فِيهَا فَتَبْقَى مَوَاضِعُهَا مُنْقَعِرَةً. يُرْوَى أَنَّ سَبْعَةً مِنْهُمْ حَفِرُوا حُفَرًا وَقَامُوا فِيهَا لِيَرُدُّوا الرِّيحَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا هَاجَتِ الرِّيحُ قَامَ نَفَرٌ سَبْعَةٌ مِنْ عَادٍ سُمِّيَ لَنَا مِنْهُمْ سِتَّةٌ مِنْ أَشَدِّ عَادٍ وَأَجْسَمِهَا مِنْهُمْ عمرو بن الحلي والحرث بْنُ شَدَّادٍ وَالْهِلْقَامُ وَابْنَا تِقْنٍ وَخَلْجَانُ بْنُ سَعْدٍ فَأَوْلَجُوا الْعِيَالَ فِي شِعْبٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، ثُمَّ اصْطَفَوْا عَلَى بَابِ الشِّعْبِ لِيَرُدُّوا الرِّيحَ عَمَّنْ فِي الشِّعْبِ مِنَ الْعِيَالِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَجْعَفُهُمْ [[جعفة: صرعه وضرب به الأرض.]] رَجُلًا رَجُلًا، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ عَادٍ: ذَهَبَ الدَّهْرُ بِعَمْرِو بْ ... نِ حُلَيٍّ وَالْهَنِيَّاتِ ثُمَّ بِالْحَرْثِ وَالْهِلْ ... قَامِ طَلَّاعِ الثَّنِيَّاتِ وَالَّذِي سد مهب الر ... يح أيام البليات الطَّبَرِيُّ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالْمَعْنَى تَنْزِعُ النَّاسَ فَتَتْرُكُهُمْ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ، فَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْمَحْذُوفِ. الزَّجَّاجُ: الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نصب على الحال، وَالْمَعْنَى تَنْزِعُ النَّاسَ مُشَبَّهِينَ بِأَعْجَازِ نَخْلٍ. وَالتَّشْبِيهُ قِيلَ إِنَّهُ لِلْحُفَرِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا. وَالْأَعْجَازُ جَمْعُ عَجُزٍ وَهُوَ مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ، وَكَانَتْ عَادٌ مَوْصُوفِينَ بِطُولِ الْقَامَةِ، فَشُبِّهُوا بِالنَّخْلِ انْكَبَّتْ لِوُجُوهِهَا. وَقَالَ: (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) لِلَفْظِ النَّخْلِ وَهُوَ مِنَ الْجَمْعِ الَّذِي يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. وَالْمُنْقَعِرُ: الْمُنْقَلِعُ مِنْ أَصْلِهِ، قَعَرْتُ الشَّجَرَةَ قَعْرًا قَلَعْتُهَا مِنْ أَصْلِهَا فَانْقَعَرَتْ. الْكِسَائِيُّ: قَعَرْتُ الْبِئْرَ أَيْ نَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى قَعْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْإِنَاءُ إِذَا شَرِبْتُ مَا فِيهِ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى قَعْرِهِ. وَأَقْعَرْتُ الْبِئْرَ جَعَلْتُ لَهَا قَعْرًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: سُئِلَ الْمُبَرِّدُ بِحَضْرَةِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي عَنْ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ هَذِهِ مِنْ جُمْلَتِهَا، فَقِيلَ لَهُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً)» وَ (جاءَتْها رِيحٌ [[راجع ج ٨ ص ٣٢٥.]] عاصِفٌ)، وَقَوْلُهُ: (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [[راجع ج ١٨ ص ٢٦١.]] وَ (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)؟ فقال: كلما وَرَدَ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنْ شِئْتَ رَدَدْتَهُ إِلَى اللَّفْظِ تَذْكِيرًا، أَوْ إِلَى الْمَعْنَى تَأْنِيثًا. وَقِيلَ: إِنَّ النَّخْلَ وَالنَّخِيلَ بِمَعْنًى يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ كَمَا ذَكَرْنَا. (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ. وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [تقدم [[من ب، ى.]]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب