الباحث القرآني

سُورَةُ (وَالطَّوْرِ) مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَهِيَ تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) مَا لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) قوله تعالى: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالطُّورِ﴾ الطُّورِ اسْمُ الْجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى، أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْرِيمًا وَتَذْكِيرًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ، وَهُوَ أَحَدُ جِبَالِ الْجَنَّةِ. وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ ابن إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَرْبَعَةُ أَجْبُلٍ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ وَأَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَأَرْبَعَةُ مَلَاحِمَ من ملاحم الجنة) [[الملاحم: غزوة بدر واحد والخندق وخيبر.]] قيل: فما الا جبل؟ قَالَ: (جَبَلُ أُحُدٍ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ والطُّورِ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ وَلُبْنَانُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ [وَالْجُودِيُّ [[الزيادة من ن.]] جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ] (وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَدِ اسْتَوْفَيْنَاهُ فِي كِتَابِ (التَّذْكِرَةِ). قَالَ مُجَاهِدٌ: الطُّورِ هُوَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ الْجَبَلُ وَالْمُرَادُ بِهِ طور سينا. وَقَالَهُ السُّدِّيُّ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: هُمَا طُورَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا طُورُ سِينَا وَالْآخَرُ طُورُ زَيْتَا، لِأَنَّهُمَا يُنْبِتَانِ التِّينَ وَالزَّيْتُونَ. وَقِيلَ: هُوَ جَبَلٌ بِمَدْيَنَ وَاسْمُهُ زُبَيْرٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالزُّبَيْرُ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. قُلْتُ: وَمَدْيَنُ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَهِيَ قَرْيَةُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقِيلَ: إِنَّ الطُّورَ كُلُّ جَبَلٍ أَنْبَتَ، وَمَا لَا يُنْبِتُ فَلَيْسَ بِطُورٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ) [[راجع ج ١ ص ٤٣٦.]] مُسْتَوْفًى. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾ أَيْ مَكْتُوبٌ، يَعْنِي القرآن يقرؤه المؤمنون من المصاحف، ويقرءوه الْمَلَائِكَةُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) [[راجع ص ٢٢٤ وص ٣٠٨ من هذا الجزء.]]. وَقِيلَ: يَعْنِي سَائِرَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَكَانَ كُلُّ كِتَابٍ فِي رَقٍّ يَنْشُرُهُ أَهْلُهُ لِقِرَاءَتِهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِمُوسَى بِيَدِهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُوسَى يَسْمَعُ صَرِيرَ الْقَلَمِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ، فَمِنْ آخِذٍ كِتَابَهِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْ آخِذٍ كِتَابَهِ بِشِمَالِهِ، نَظِيرُهُ: (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) [[راجع ج ١٠ ص ٢٢٩.]] وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) [[راجع ج ١٩ ص ٢٣٢.]]. وَقِيلَ: إِنَّهُ الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ فِي السَّمَاءِ يَقْرَءُونَ فِيهِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَا كَتَبَ اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْأَوْلِيَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، بَيَانُهُ: (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ) [[راجع ص ٢٢٤ وص ٣٠٨ من هذا الجزء.]]. قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْقَوْلِ تَجَوُّزٌ، لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْقُلُوبِ عَنِ الرَّقِّ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: الرَّقُّ مَا رُقِّقَ مِنَ الْجِلْدِ لِيُكْتَبَ فِيهِ، وَالْمَنْشُورُ الْمَبْسُوطُ. وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ، قَالَ: وَالرَّقُّ بِالْفَتْحِ مَا يُكْتَبُ فِيهِ وَهُوَ جِلْدٌ رَقِيقٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ﴾ وَالرَّقُّ أَيْضًا الْعَظِيمُ مِنَ السَّلَاحِفِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَجَمْعُهُ رُقُوقٌ. وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكُلُّ صَحِيفَةٍ فَهِيَ رَقٌّ لِرِقَّةِ حَوَاشِيهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ: فَكَأَنَّمَا هِيَ مِنْ تَقَادُمِ عَهْدِهَا ... رَقٌّ أُتِيحَ كِتَابُهَا مَسْطُورُ [[لم تعثر على هذا البيت في ديوان المتلمس.]] وَأَمَّا الرِّقُّ بِالْكَسْرِ فَهُوَ الْمِلْكُ، يُقَالُ: عَبْدٌ مَرْقُوقٌ. وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الرَّقَّ بِالْفَتْحِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا: هُوَ بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ حِيَالَ الْكَعْبَةِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ يخرجون منه فلا يعودون إليه. قال عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُوَ بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. وَقِيلَ: فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، رَوَى أنس ابن مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أُوتِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَرُفِعَ لَنَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَإِذَا هُوَ حِيَالُ الْكَعْبَةِ لَوْ خَرَّ خَرَّ عَلَيْهَا يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَحَكَى الْقُشَيْرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: سَأَلَ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فَمَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ؟ قَالَ: بَيْتٌ فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ تَحْتَ الْعَرْشِ يُقَالُ لَهُ الضُّرَاحُ. وَكَذَا فِي (الصِّحَاحِ): وَالضُّرَاحُ بِالضَّمِّ بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ عَنِ ابْنِ عباس. وعمر أنه كَثْرَةُ غَاشِيَتِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ عَنْهُ: حِذَاءَ الْعَرْشِ. وَالَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: (ثُمَّ رُفِعَ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا قَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يوم سبعون ألف ملك إذ اخرجوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ [[. (آخر) برفع الراء ونصبها، فالنصب على الظرف والرفع على تقدير ذلك آخر ما عليهم، والرفع أوجه. (هامش مسلم).]] مَا عَلَيْهِمْ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِي حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (أُتِيَتُ بِالْبُرَاقِ) الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: (ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّابِعَةِ) [[في ح، ز، ل، ن: (إلى السماء السابعة).]] (فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ- ﷺ- قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ (. وَعَنِ ابْنِ عباس أيضا قال: لله في السموات والأرضين خمسة عشر بيتا، سبعة في السموات وَسَبْعَةٌ فِي الْأَرَضِينَ وَالْكَعْبَةُ، وَكُلُّهَا مُقَابِلَةٌ لِلْكَعْبَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ هُوَ الْكَعْبَةُ، الْبَيْتُ الْحَرَامُ الَّذِي هُوَ مَعْمُورٌ مِنَ النَّاسِ، يَعْمُرُهُ اللَّهُ كُلَّ سَنَةٍ بِسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ، فَإِنْ عَجَزَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ أَتَمَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وَضَعَهُ اللَّهُ لِلْعِبَادَةِ فِي الْأَرْضِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: إِنَّ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ كان فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ الْكَعْبَةِ فِي زَمَانِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحُجُّوا فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَعَصَوْهُ، فَلَمَّا طَغَى الْمَاءُ رُفِعَ فَجُعِلَ بِحِذَائِهِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَعْمُرُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يُنْفَخَ في الصور، قال: فبوأ الله عز وجل لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [[راجع ج ١٣ ص (٣٦)]] وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) يَعْنِي السَّمَاءَ سَمَّاهَا سَقْفًا، لِأَنَّهَا لِلْأَرْضِ كَالسَّقْفِ لِلْبَيْتِ، بَيَانُهُ: (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) [[راجع ج ١١ ص (٢٨٥)]]. وَقَالَ، ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْعَرْشُ وَهُوَ سَقْفُ الْجَنَّةِ. (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُوقَدُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ: (إِنَّ الْبَحْرَ يُسْجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ نَارًا). وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمَمْلُوءُ. وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ لِلنَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ: إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً ... تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ وَالسَّاسَمَا [[الساسم غير مهموز: شجر يتخذ منه القصي والسهام، والنبع مثله.]] يُرِيدُ وَعْلًا يُطَالِعُ عَيْنًا مَسْجُورَةً مَمْلُوءَةً. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوءُ نَارًا فَيَكُونُ كَالْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَشِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالْأَخْفَشُ بِأَنَّهُ الْمَوْقِدُ الْمَحْمِيُّ بِمَنْزِلَةِ التَّنُّورِ الْمَسْجُورِ. وَمِنْهُ قِيلَ: لِلْمِسْعَرِ مِسْجَرٌ، وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذَا الْبِحارُ [[راجع ج ١٩ ص ٢٢٨ وص (٢٤٢)]] سُجِّرَتْ) أَيْ أُوقِدَتْ، سَجَرْتُ التَّنُّورَ أَسْجُرُهُ سجرا أي أحميته. وقال سعيد ابن الْمُسَيَّبِ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ: أَيْنَ جَهَنَّمُ؟ قَالَ: الْبَحْرُ. قَالَ مَا أَرَاكَ إِلَّا صَادِقًا، وَتَلَا: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ). (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) مُخَفَّفَةٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابن عَمْرٍو: لَا يُتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ لِأَنَّهُ طَبَقُ جَهَنَّمَ. [وَقَالَ كَعْبٌ: يُسْجَرُ الْبَحْرُ غَدًا فَيُزَادُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَهَذَا قَوْلٌ» ] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَسْجُورُ الَّذِي ذَهَبَ مَاؤُهُ. وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ. وَرَوَى عَطِيَّةُ وَذُو الرُّمَّةِ الشَّاعِرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَتْ أَمَةٌ لِتَسْتَقِيَ فَقَالَتْ: إِنَّ الْحَوْضَ مَسْجُورٌ أَيْ فَارِغٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: لَيْسَ لِذِي الرُّمَّةِ حَدِيثٌ إِلَّا هَذَا. وَقِيلَ: الْمَسْجُورُ أَيِ الْمَفْجُورُ، دَلِيلُهُ: (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) [[ما بين المربعين ساقط من هـ.]] أَيْ تُنَشِّفُهَا الْأَرْضُ فَلَا يَبْقَى فيها ماء. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِكْرِمَةُ. قَالَ أَبُو مَكِينٍ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ عَنِ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ فَقَالَ: هُوَ بَحْرٌ دُونَ الْعَرْشِ. وَقَالَ عَلِيٌّ: تَحْتَ الْعَرْشِ فِيهِ مَاءٌ غَلِيظٌ. وَيُقَالُ لَهُ بَحْرُ الْحَيَوَانِ يُمْطَرُ الْعِبَادُ مِنْهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَيَنْبُتُونَ فِي قُبُورِهِمْ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْمَسْجُورُ الْمُخْتَلِطُ العذب بالملح. قلت: وإليه يَرْجِعُ مَعْنَى (فُجِّرَتْ) فِي أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ، أَيْ فُجِّرَ عَذْبُهَا فِي مَالِحِهَا: وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي. وروى علي ابن أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمَسْجُورُ الْمَحْبُوسُ. (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، أَيْ وَاقِعٌ بِالْمُشْرِكِينَ. قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ لِأَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَوَافَيْتُهُ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ (وَالطُّورِ) إِلَى قَوْلِهِ: (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ. مَا لَهُ مِنْ دافِعٍ) فَكَأَنَّمَا صَدَعَ قَلْبِي، فَأَسْلَمْتُ خَوْفًا مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ، وَمَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ أَقُومَ مِنْ مَقَامِي حَتَّى يَقَعَ بِيَ الْعَذَابُ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ إِلَى الْحَسَنِ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يَقْرَأُ (وَالطُّورِ) حَتَّى بَلَغَ (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ. مَا لَهُ مِنْ دافِعٍ) فَبَكَى الْحَسَنُ وَبَكَى أَصْحَابُهُ، فَجَعَلَ مَالِكٌ يَضْطَرِبُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ. وَلَمَّا وُلِّيَ بَكَّارٌ الْقَضَاءَ جَاءَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فَتَوَجَّهَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا الْيَمِينُ، فَرَغِبَ إِلَى الصُّلْحِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ يُعْطِي خَصْمَهُ مِنْ عِنْدِهِ عِوَضًا مِنْ يَمِينِهِ فَأَبَى إِلَّا الْيَمِينَ، فَأَحْلَفَهُ بِأَوَّلِ (وَالطُّورِ) إلى أن قاله لَهُ قُلْ: (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) إِنْ كُنْتَ [[في ن (ان عذاب الله بى لواقع إلخ).]] كَاذِبًا، فَقَالَهَا فَخَرَجَ فَكُسِرَ مِنْ حِينِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب