الباحث القرآني

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ مَعْنَى (يَهْجَعُونَ) يَنَامُونَ، وَالْهُجُوعُ النَّوْمُ لَيْلًا، وَالتَّهْجَاعُ النَّوْمَةُ الْخَفِيفَةُ، قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ: قَدْ حَصَّتِ الْبَيْضَةُ رَأْسِي فَمَا ... أَطْعَمُ نَوْمًا غَيْرَ تَهْجَاعِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ يَتَشَوَّقُ أُخْتَهُ وَكَانَ أَسَرَهَا الصِّمَّةُ أَبُو دُرَيْدِ بْنُ الصِّمَّةِ: أَمِنْ رَيْحَانَةِ الدَّاعِي السَّمِيعُ ... يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ يُقَالُ: هَجَعَ يَهْجَعُ هُجُوعًا، وَهَبَغَ يَهْبَغُ هُبُوغًا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ إِذَا نَامَ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَاخْتُلِفَ فِي (مَا) فَقِيلَ: صِلَةٌ زَائِدَةٌ- قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ- وَالتَّقْدِيرُ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ يَهْجَعُونَ، أَيْ يَنَامُونَ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ وَيُصَلُّونَ أَكْثَرَهُ. قَالَ عَطَاءٌ: وَهَذَا لَمَّا أُمِرُوا بِقِيَامِ اللَّيْلِ. وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ [[في ز، ل، ن: (أبو بكر).]] يَحْتَجِزُ وَيَأْخُذُ الْعَصَا فَيَعْتَمِدُ عَلَيْهَا حَتَّى نَزَلَتِ الرُّخْصَةُ (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) [[راجع ج ١٩ ص ٣٢]]. الْآيَةَ. وَقِيلَ: لَيْسَ (مَا) صِلَةً بَلِ الْوَقْفُ عِنْدَ قَوْلِهِ: (قَلِيلًا) ثُمَّ يَبْتَدِئُ (مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) فَ (مَا) لِلنَّفْيِ وَهُوَ نَفْيُ النَّوْمِ عَنْهُمُ الْبَتَّةَ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا لَا يَنَامُونَ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا أَقَلَّهُ وَرُبَّمَا نَشِطُوا فَجَدُّوا إِلَى السَّحَرِ. رُوِيَ عَنْ يَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: (كانُوا قَلِيلًا) مَعْنَاهُ كَانَ عَدَدُهُمْ يَسِيرًا ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: (مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) عَلَى مَعْنَى مِنَ اللَّيْلِ يَهْجَعُونَ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ نَوْمِهِمْ لَا عَلَى قِلَّةِ عَدَدِهِمْ، وَبَعْدُ فَلَوِ ابْتَدَأْنَا (مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) عَلَى مَعْنَى مِنَ اللَّيْلِ يَهْجَعُونَ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَدْحٌ لَهُمْ، لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَهْجَعُونَ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ (مَا) جَحْدًا. قُلْتُ: وَعَلَى مَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ- وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ- مِنْ أَنَّ عَدَدَهُمْ كَانَ يَسِيرًا يَكُونُ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِهِ: (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) أَيْ كَانَ الْمُحْسِنُونَ قَلِيلًا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: (مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي يَكُونُ (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ) خِطَابًا مُسْتَأْنَفًا بَعْدَ تَمَامِ مَا تَقَدَّمَهُ وَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى (مَا يَهْجَعُونَ) ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَعَلْتَ (قَلِيلًا) خَبَرَ كَانَ وَتَرْفَعُ (مَا) بِقَلِيلٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ هُجُوعُهُمْ. فَ (مَا) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ مَصْدَرًا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رَفْعًا عَلَى الْبَدَلِ مِنَ اسْمِ كَانَ، التَّقْدِيرُ كَانَ هُجُوعُهُمْ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ، وَانْتِصَابُ قَوْلِهِ: (قَلِيلًا) إِنْ قَدَّرْتَ (مَا) زَائِدَةً مُؤَكَّدَةً بِ (يَهْجَعُونَ) عَلَى تَقْدِيرِ كَانُوا وَقْتًا قَلِيلًا أَوْ هُجُوعًا قَلِيلًا يَهْجَعُونَ، وَإِنْ لَمْ تُقَدِّرْ (مَا) زَائِدَةً كَانَ قَوْلُهُ: (قَلِيلًا) خَبَرَ كَانَ وَلَمْ يَجُزْ نَصْبُهُ بِ (يَهْجَعُونَ)، لِأَنَّهُ إِذَا قُدِّرَ نَصْبُهُ بِ (يَهْجَعُونَ) مَعَ تَقْدِيرِ (مَا) مَصْدَرًا قُدِّمَتِ الصِّلَةُ عَلَى الْمَوْصُولِ. وَقَالَ أَنَسٌ وَقَتَادَةُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ: أَيْ كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ: الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانُوا لَا يَنَامُونَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ. وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ. وقال مجاهد: نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِشَاءَيْنِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ يَمْضُونَ إِلَى قُبَاءَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: كَانُوا لَا يَنَامُونَ حَتَّى يُصَلُّوا الْعَتَمَةَ. قَالَ الْحَسَنُ: كَأَنَّهُ عَدَّ هُجُوعَهُمْ قَلِيلًا فِي جَنْبِ يَقَظَتِهِمْ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُطَرِّفٌ: قَلَّ لَيْلَةً لَا تَأْتِي عَلَيْهِمْ إِلَّا يُصَلُّونَ لِلَّهِ فِيهَا إِمَّا مِنْ أَوَّلِهَا وَإِمَّا مِنْ وَسَطِهَا. الثَّانِيَةُ- رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَهَجِّدِينَ أَنَّهُ أَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَأَنْشَدَهُ: وَكَيْفَ تَنَامُ اللَّيْلَ عَيْنٌ قَرِيرَةٌ ... وَلَمْ تَدْرِ فِي أَيِ الْمَجَالِسِ تَنْزِلُ وَرُوِيَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَزْدِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ لَا أَنَامُ اللَّيْلَ فَنِمْتُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَنَا بِشَابَّيْنِ أَحْسَنَ مَا رَأَيْتُ وَمَعَهُمَا حُلَلٌ، فَوَقَفَا عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ وَكَسَوَاهُ حُلَّةً، ثُمَّ انْتَهَيَا إِلَى النِّيَامِ فَلَمْ يَكْسُوَاهُمْ، فَقُلْتُ لَهُمَا: اكْسُوَانِي مِنْ حللكما هذا، فَقَالَا لِي: إِنَّهَا لَيْسَتْ حُلَّةَ لِبَاسٍ إِنَّمَا هِيَ رِضْوَانُ اللَّهِ يَحُلُّ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي خَلَّادٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ مُثِّلَتْ لِيَ الْقِيَامَةُ، فَنَظَرْتُ إِلَى أَقْوَامٍ مِنْ إِخْوَانِي قَدْ أَضَاءَتْ وُجُوهُهُمْ، وَأَشْرَقَتْ أَلْوَانُهُمْ، وَعَلَيْهِمُ الْحُلَلُ مِنْ دُونِ الْخَلَائِقِ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ مُكْتَسُونَ وَالنَّاسُ عُرَاةٌ، وَوُجُوهُهُمْ مُشْرِقَةٌ وَوُجُوهُ النَّاسِ مُغْبَرَّةٌ! فَقَالَ لِي قَائِلٌ: الَّذِينَ رَأَيْتَهُمْ مُكْتَسُونَ فَهُمُ الْمُصَلُّونَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَالَّذِينَ وُجُوهُهُمْ مُشْرِقَةٌ فَأَصْحَابُ السَّهَرِ وَالتَّهَجُّدِ، قَالَ: وَرَأَيْتُ أَقْوَامًا عَلَى نَجَائِبَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ رُكْبَانًا وَالنَّاسُ مُشَاةٌ حُفَاةٌ؟ فَقَالَ لِي: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَامُوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَأَعْطَاهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ خَيْرَ الثَّوَابِ، قَالَ: فَصِحْتُ فِي مَنَامِي: وَاهًا لِلْعَابِدِينَ، مَا أَشْرَفَ مَقَامَهُمْ! ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ مِنْ مَنَامِي وَأَنَا خائف. الثالثة- قوله تعالى: (بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) مَدْحٌ ثَانٍ، أَيْ يَسْتَغْفِرُونَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَالسَّحَرُ وَقْتٌ يُرْجَى فِيهِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ. وَقَدْ مَضَى فِي (آلِ عِمْرَانَ) [[راجع ج ٤ ص ٣٨]] الْقَوْلُ فِيهِ. وقال ابن عمرو مجاهد: أَيْ يُصَلُّونَ وَقْتَ السَّحَرِ فَسَمَّوُا الصَّلَاةَ اسْتِغْفَارًا. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) مَدُّوا الصَّلَاةَ مِنْ أول الليل إِلَى السَّحَرِ ثُمَّ اسْتَغْفَرُوا فِي السَّحَرِ. ابْنُ وَهْبٍ: هِيَ فِي الْأَنْصَارِ، يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَغْدُونَ مِنْ قُبَاءَ فَيُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ. ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابن لهيعة عن يزيد ابن أَبِي حَبِيبٍ قَالُوا: كَانُوا يَنْضَحُونَ لِنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ بِالدِّلَاءِ عَلَى الثِّمَارِ ثُمَّ يَهْجَعُونَ قَلِيلًا، ثُمَّ يُصَلُّونَ آخِرَ اللَّيْلِ. الضَّحَّاكُ: صَلَاةُ الْفَجْرِ. قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: عَرَضْتُ عَمَلِي عَلَى أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِذَا قَوْمٌ قَدْ بَايَنُونَا بَوْنًا بَعِيدًا لَا نَبْلُغُ أَعْمَالَهُمْ (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) وَعَرَضْتُ عَمَلِي عَلَى أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَإِذَا قَوْمٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ، يُكَذِّبُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَوَجَدْنَا خَيْرَنَا مَنْزِلَةً قَوْمًا خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ مَدْحٌ ثَالِثٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ: الْحَقُّ هُنَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ يَصِلُ بِهِ رَحِمًا، أَوْ يَقْرِي بِهِ ضَيْفًا، أَوْ يَحْمِلُ بِهِ كَلًّا، أَوْ يُغْنِي مَحْرُومًا. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَفُرِضَتِ الزَّكَاةُ بِالْمَدِينَةِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْأَقْوَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أنها الزكاة، لقوله تعالى في سورة (سأل سائل): (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [[راجع ج ١٨ ص ٢٩١]] وَالْحَقُّ الْمَعْلُومُ هُوَ الزَّكَاةُ الَّتِي بَيَّنَ الشَّرْعُ قَدْرَهَا وَجِنْسَهَا وَوَقْتَهَا، فَأَمَّا غَيْرُهَا لِمَنْ يَقُولُ بِهِ فَلَيْسَ بِمَعْلُومٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَلَا مُجَنَّسٍ وَلَا مُوَقَّتٍ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ السَّائِلُ الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ لِفَاقَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُمَا. (وَالْمَحْرُومِ) الَّذِي حُرِمَ الْمَالَ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُمَا: الْمَحْرُومُ الْمُحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ سَهْمٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: الْمَحْرُومُ الْمُحَارَفُ الَّذِي لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ مَكْسَبُهُ، يُقَالُ: رَجُلٌ مُحَارَفٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ مَحْدُودٌ مَحْرُومٌ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِكَ مُبَارَكٌ. وَقَدْ حُورِفَ كَسْبُ فُلَانٍ إِذَا شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي مَعَاشِهِ كَأَنَّهُ مِيلَ بِرِزْقِهِ عَنْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ: الْمَحْرُومُ الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَا يُعْلَمُ بِحَاجَتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: الْمَحْرُومُ الذي يجئ بَعْدَ الْغَنِيمَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا سَهْمٌ. رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَصَابُوا وَغَنِمُوا فَجَاءَ قَوْمٌ بَعْدَ مَا فَرَغُوا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَفِي أَمْوالِهِمْ). وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْمَحْرُومُ الَّذِي لَا يَبْقَى لَهُ مَالٌ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُوَ الَّذِي أُصِيبَ ثَمَرُهُ أَوْ زَرْعُهُ أَوْ نَسْلُ مَاشِيَتِهِ. وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: الْمَحْرُومُ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ ثُمَّ قَرَأَ (إن لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) نَظِيرُهُ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ حَيْثُ قَالُوا: (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ لَهُ مَالٌ فَجَاءَ سَيْلٌ فَذَهَبَ بِمَالِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: هَذَا الْمَحْرُومُ فَاقْسِمُوا لَهُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ الَّذِي يَطْلُبُ الدُّنْيَا وَتُدْبِرُ عَنْهُ. وَهُوَ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ: الْمَحْرُومُ الْمَمْلُوكُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ الْكَلْبُ، رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَجَاءَ كَلْبٌ فَانْتَزَعَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَتِفَ شَاةٍ فَرَمَى بِهَا إِلَيْهِ وَقَالَ: يَقُولُونَ إِنَّهُ الْمَحْرُومُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ بِالْفَقْرِ مِنْ ذَوِي الْأَنْسَابِ، لِأَنَّهُ قَدْ حُرِمَ كَسْبَ نَفْسِهِ حَتَّى وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ الَّذِي يُحْرَمُ الرِّزْقَ، وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، لِأَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَقْوَالِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لِيَ الْيَوْمَ سَبْعُونَ سَنَةً مُنْذُ احْتَلَمْتُ أَسْأَلُ عَنِ الْمَحْرُومِ فَمَا أَنَا الْيَوْمَ بِأَعْلَمَ مِنِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ. رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْمَمْنُوعُ، مِنَ الْحِرْمَانِ وَهُوَ الْمَنْعُ. قَالَ عَلْقَمَةُ: وَمُطْعَمُ الْغُنْمِ يَوْمَ الْغُنْمِ مُطْعَمُهُ ... أَنَّى تَوَجَّهَ وَالْمَحْرُومُ مَحْرُومُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (وَيْلٌ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْفُقَرَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُونَ رَبَّنَا ظَلَمُونَا حُقُوقَنَا الَّتِي فُرِضَتْ لَنَا عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُقَرِّبَنَّكُمْ وَلَأُبْعِدَنَّهُمْ) ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ذكره الثعلبي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب