الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ﴾ نَظَرَ اعْتِبَارٍ وَتَفَكُّرٍ، وَأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى إِيجَادِهَا قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ. (كَيْفَ بَنَيْناها) فَرَفَعْنَاهَا بِلَا عَمَدٍ (وَزَيَّنَّاها) بِالنُّجُومِ (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) جَمْعُ فَرْجٍ وَهُوَ الشَّقُّ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ القيس: تَسُدُّ بِهِ فَرْجَهَا مِنْ دُبُرْ [[البيت في وصف فرنه، وصدره: لها ذنب مثل ذيل العروس]] وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَيْسَ فِيهَا تَفَاوُتٌ وَلَا اخْتِلَافٌ وَلَا فُتُوقٌ. (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) تَقَدَّمَ فِي (الرَّعْدِ) [[راجع ج ٩ ص ٢٨٠.]] بَيَانُهُ. (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) أَيْ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ النَّبَاتِ (بَهِيجٍ) أَيْ حَسَنٍ يَسُرُّ النَّاظِرِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (الْحَجِّ) [[راجع ج ١٢ ص ١٤.]] بَيَانُهُ. (تَبْصِرَةً) أَيْ جَعَلْنَا ذَلِكَ تَبْصِرَةً لِنَدُلَّ بِهِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِنَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، يَعْنِي جَعَلْنَا ذَلِكَ تبصيرا وتنبيها على قدرتنا (وَذِكْرى) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) رَاجِعٌ إِلَى الله تعالى مفكر في قدرته. قوله تعالى: (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ) أَيْ مِنَ السَّحَابِ (مَاءً مُبارَكاً) أَيْ كَثِيرَ الْبَرَكَةِ. (فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) التَّقْدِيرُ: وَحَبُّ النَّبْتِ الْحَصِيدُ وَهُوَ كُلُّ مَا يُحْصَدُ. هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: هُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، كَمَا يُقَالُ: مَسْجِدُ الْجَامِعِ وَرَبِيعُ الْأَوَّلِ وحق اليقين وحبل الوريد ونحوها، قاله الْفَرَّاءُ. وَالْأَصْلُ الْحَبُّ الْحَصِيدُ فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَأُضِيفَ الْمَنْعُوتُ إِلَى النَّعْتِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: حَبُّ الْحَصِيدِ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ. وَقِيلَ: كُلُّ حَبٍّ يُحْصَدُ وَيُدَّخَرُ وَيُقْتَاتُ. (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ [[هكذا في الأصول، ولعل صواب العبارة أن تكون كما قال السمين: (وَالنَّخْلَ) منصوب على العطف أي وأنبتنا النخل، و (باسِقاتٍ) حال.]] رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) وَ (باسِقاتٍ) حَالٌ. وَالْبَاسِقَاتُ الطِّوَالُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: بُسُوقُهَا اسْتِقَامَتُهَا في الطول. وقال سعيد بن جبير: مُسْتَوِيَاتٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ أَيْضًا وَالْفَرَّاءُ: مَوَاقِيرُ حَوَامِلُ، يُقَالُ لِلشَّاةِ بَسَقَتْ إِذَا وَلَدَتْ، قَالَ الشَّاعِرُ: فَلَمَّا تَرَكْنَا الدَّارَ ظَلَّتْ مُنِيفَةً ... بِقُرَّانَ فِيهِ الْبَاسِقَاتُ الْمَوَاقِرُ وَالْأَوَّلُ فِي اللُّغَةِ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ، [يُقَالُ] بَسَقَ النَّخْلُ بُسُوقًا إِذَا طَالَ. قَالَ: لَنَا خَمْرٌ وَلَيْسَتْ خَمْرَ كَرْمٍ ... وَلَكِنْ مِنْ نِتَاجِ الْبَاسِقَاتِ كِرَامٌ فِي السَّمَاءِ ذَهَبْنَ طُولًا ... وَفَاتَ ثِمَارُهَا أَيْدِي الْجُنَاةِ وَيُقَالُ: بَسَقَ فُلَانٌ عَلَى أَصْحَابِهِ أَيْ عَلَاهُمْ، وَأَبْسَقَتِ النَّاقَةُ إِذَا وَقَعَ فِي ضَرْعِهَا اللَّبَنُ [[في ح، ز، ى: اللبأ وهو وزان عنب، أول اللبن عند الولادة.]] قَبْلَ النِّتَاجِ فَهِيَ مُبْسِقٌ وَنُوقٌ مَبَاسِيقٌ. وَقَالَ قُطْبَةُ بْنُ مَالِكٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ (بَاصِقَاتٍ) بِالصَّادِ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. قُلْتُ: الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْتُ وَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَرَأَ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) حَتَّى قَرَأَ (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) قَالَ فَجَعَلْتُ أُرَدِّدُهَا وَلَا أَدْرِي مَا قَالَ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِبْدَالُ الصَّادِ مِنَ السِّينِ لِأَجْلِ الْقَافِ. (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) الطَّلْعُ هُوَ أَوَّلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ، يُقَالُ: طَلَعَ الطَّلْعُ طُلُوعًا وَأَطْلَعَتِ النَّخْلَةُ، وَطَلْعُهَا كُفُرَّاهَا قَبْلَ أَنْ يَنْشَقَّ. (نَضِيدٌ) أَيْ مُتَرَاكِبٌ قَدْ نَضَدَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ (النَّضِيدُ) الْكُفُرَّى مَا دَامَ فِي أَكْمَامِهِ وَمَعْنَاهُ مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ. (رِزْقاً لِلْعِبادِ) أَيْ رَزَقْنَاهُمْ رِزْقًا، أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنْبَتْنَاهَا رِزْقًا، لِأَنَّ الْإِنْبَاتَ فِي مَعْنَى الرِّزْقِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ أَنْبَتْنَاهَا لِرِزْقِهِمْ، وَالرِّزْقُ مَا كَانَ مُهَيَّأً لِلِانْتِفَاعِ بِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ» . (وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) أَيْ مِنَ الْقُبُورِ أَيْ كَمَا أَحْيَا اللَّهُ هَذِهِ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ فَكَذَلِكَ يُخْرِجُكُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ مَوْتِكُمْ، فَالْكَافُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ [[راجع ج ١ ص ١٧٧ وص ٢١١]]. وَقَالَ (مَيْتاً) لِأَنَّ المقصود المكان ولو قال ميتة لجاز.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب