الباحث القرآني

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ﴾ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ، أَيْ هَوِّنْ أَمْرَهُمْ عَلَيْكَ. وَنَزَلَتْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ. وَقِيلَ: هُوَ ثَابِتٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأُمَّتِهِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْيَهُودُ مِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَرَاحَ يَوْمَ السَّبْتِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ قِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَ» بِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ: قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَقَبْلَ الْغُرُوبِ صَلَاةُ الْعَصْرِ. وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: (أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا- يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ- (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) [[راجع ج ١١ ص ٢٦١.]] (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَبْلَ الْغُرُوبِ) الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) يَعْنِي صَلَاةَ الْعِشَاءَيْنِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ تَسْبِيحُهُ بِالْقَوْلِ تَنْزِيهًا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، قَالَهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَأَبُو الْأَحْوَصِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ: (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) قَالَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَقَالَ ثُمَامَةُ ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ: كَانَ ذَوُو الْأَلْبَابِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ [[ابتدروا السواري: أي سارعوا إليها، والسواري جمع السارية وهى العمود، أي يقف كل مصل خلف العمود لئلا يقع المرور بين يديه في صلاته منفردا.]] فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ إِلَّا أَنَسًا وَأَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ﴾ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ- هُوَ تسبيح الله تعالى في الليل، قال أَبُو الْأَحْوَصِ. الثَّانِي- أَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ كُلِّهِ، قال مُجَاهِدٌ. الثَّالِثُ- أَنَّهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الرَّابِعُ- أَنَّهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَنْ قَالَ إِنَّهُ التَّسْبِيحُ فِي اللَّيْلِ فَيَعْضُدُهُ الصَّحِيحُ (مَنْ تَعَارَّ) [[تعار: استيقظ.]] (مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شي قَدِيرٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا الصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تُسَمَّى تَسْبِيحًا لِمَا فِيهَا مِنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ، وَمِنْهُ سُبْحَةُ الضُّحَى. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا صَلَاةُ الْفَجْرِ أَوِ الْعِشَاءِ فَلِأَنَّهُمَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالْعِشَاءُ أَوْضَحُهُ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَدْبارَ السُّجُودِ﴾ قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ: أَدْبَارَ السُّجُودِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَأَدْبَارَ النُّجُومِ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَرَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رَفَعَهُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَدْبَارُ السُّجُودِ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَلَفْظُ الْمَاوَرْدِيِّ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصلاة فقال: (يا بن عَبَّاسٍ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَدْبَارُ النُّجُومِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَدْبَارُ السُّجُودِ). وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ كُتِبَتْ صَلَاتُهُ فِي عِلِّيِّينَ). قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) وَفِي الثَّانِيَةِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قَالَ مُقَاتِلٌ: وَوَقْتُهَا مَا لَمْ يَغْرُبِ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: هُوَ الْوَتْرُ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ النَّوَافِلُ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، رَكْعَتَانِ بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَالظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى اتِّبَاعُ الْأَكْثَرِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه. وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ: هُوَ التَّسْبِيحُ فِي أَدْبَارِ السُّجُودِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الْأَقْوَى فِي النَّظَرِ. وَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شي قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ [[. (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) أي لا ينفع ذا الغنى منك غنا (هـ وانما ينفعه الايمان والطاعة.) النهاية لاين الأثير (.)]] (وَقِيلَ: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْفَرَائِضِ فَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا خَمْسُ صَلَوَاتٍ، نَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ. الْخَامِسَةُ- قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ (وَإِدْبَارَ السُّجُودِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ أَدْبَرَ الشَّيْءُ إِدْبَارًا إِذَا وَلَّى. الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا جَمْعُ دُبُرٍ. وَهِيَ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِثَالُهَا طُنُبٌ وَأَطْنَابٌ، أَوْ دُبْرٌ كَقُفْلٍ وَأَقْفَالٍ. وَقَدِ اسْتَعْمَلُوهُ ظَرْفًا نَحْوَ جِئْتُكَ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَاةِ. وَلَا خِلَافَ فِي آخِرِ (وَالطُّورِ). (وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) أَنَّهُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ، وَهُوَ ذَهَابُ ضَوْئِهَا إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي، وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُنْشَقُّ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب