الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ هِيَ النَّفْخَةُ الْآخِرَةُ لِلْبَعْثِ (ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ لِلْكُفَّارِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ فِيهِ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي النَّفْخِ فِي الصور مستوفى [[راجع ج ١٣ ص ٢٣٩ وج ١٥ ص ٢٧٩]] والحمد لله. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ اخْتُلِفَ فِي السَّائِقِ وَالشَّهِيدِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: السَّائِقُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّهِيدُ مِنْ أَنْفُسِهِمُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: السَّائِقُ الْمَلَكُ وَالشَّهِيدُ الْعَمَلُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: الْمَعْنَى سَائِقٌ يَسُوقُهَا وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا. وَقَالَ ابْنُ مُسْلِمٍ: السَّائِقُ قَرِينُهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ سُمِّيَ سَائِقًا لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا وَإِنْ لَمْ يَحُثَّهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: السَّائِقُ وَالشَّهِيدُ ملكان. وعن عثمان ابن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) سَائِقٌ: مَلَكٌ يَسُوقُهَا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَشَهِيدٌ: يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا. قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ ابْنَ آدَمَ لَفِي غَفْلَةٍ عَمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ إِنَّ اللَّهَ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِذَا أَرَادَ خَلْقَهُ قَالَ لِلْمَلَكِ اكْتُبْ رِزْقَهُ وَأَثَرَهُ وَأَجَلَهُ وَاكْتُبْهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا ثُمَّ يَرْتَفِعُ ذَلِكَ الْمَلَكُ وَيَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا آخَرَ فَيَحْفَظُهُ حَتَّى يُدْرِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ فَإِذَا جَاءَهُ الْمَوْتُ ارْتَفَعَ ذَلِكَ [[كذا في جميع الأصول والدر المنثور، والظاهر أن يكون (ذانك).]] الْمَلَكَانِ ثُمَّ جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقْبِضُ رُوحَهُ فَإِذَا أو دخل حُفْرَتَهُ رَدَّ الرُّوحَ فِي جَسَدِهِ ثُمَّ يَرْتَفِعُ مَلَكُ الْمَوْتِ ثُمَّ جَاءَهُ مَلَكَا الْقَبْرِ فَامْتَحَنَاهُ ثُمَّ يَرْتَفِعَانِ فَإِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ انْحَطَّ عَلَيْهِ مَلَكُ الْحَسَنَاتِ وَمَلَكُ السَّيِّئَاتِ فَأَنْشَطَا [[أنشط الكتاب: حل عقدته.]] كِتَابًا مَعْقُودًا فِي عُنُقِهِ ثُمَّ حَضَرَا مَعَهُ وَاحِدٌ سَائِقٌ وَالْآخَرُ شَهِيدٌ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ). قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ قَالَ:) حَالًا بَعْدَ حَالٍ) ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (إِنَّ قُدَّامَكُمْ أَمْرًا عَظِيمًا فَاسْتَعِينُوا بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) خَرَّجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ فِيهِ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرٍ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ جَابِرُ الْجُعْفِيُّ وَعَنْهُ الْمُفَضَّلُ. ثُمَّ فِي الْآيَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. الثَّانِي أنها خاصة في الكافر، قاله الضحاك. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ﴾ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمُرَادُ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، أَيْ لَقَدْ كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ فِي غَفْلَةٍ مِنَ الرِّسَالَةِ فِي قُرَيْشٍ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ أَيْ كَانُوا فِي غَفْلَةٍ مِنْ عَوَاقِبِ أُمُورِهِمْ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. وَقِيلَ: أَيْ لَقَدْ كُنْتَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ فِي غَفْلَةٍ عَنْ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالنُّصُوصِ الْإِلَهِيَّةِ. (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) أَيْ عَمَاكَ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا إِذْ كَانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَوُلِدَ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. الثَّانِي إِذَا كَانَ فِي الْقَبْرِ فَنُشِرَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. الثَّالِثُ وَقْتُ الْعَرْضِ فِي الْقِيَامَةِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. الرَّابِعُ أَنَّهُ نُزُولُ الْوَحْيِ وَتَحَمُّلُ الرِّسَالَةِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ. (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) قِيلَ: يُرَادُ بِهِ بَصَرُ الْقَلْبِ كَمَا يُقَالُ هُوَ بَصِيرٌ بِالْفِقْهِ، فَبَصَرُ الْقَلْبِ وَبَصِيرَتُهُ تَبْصِرَتُهُ شَوَاهِدَ الْأَفْكَارِ وَنَتَائِجَ الِاعْتِبَارِ، كَمَا تُبْصِرُ الْعَيْنُ مَا قَابَلَهَا مِنَ الْأَشْخَاصِ وَالْأَجْسَامِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ بَصَرُ الْعَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ بَصَرُ عَيْنِكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، أَيْ قَوِيٌّ نَافِذٌ يَرَى مَا كَانَ مَحْجُوبًا عَنْكَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) يَعْنِي نَظَرَكَ إِلَى لِسَانِ مِيزَانِكَ حِينَ تُوزَنُ سَيِّئَاتُكَ وَحَسَنَاتُكَ. وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: يُعَايِنُ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ يحشر وبصره حديد ثم يزرق ويعمى. وقرى (لَقَدْ كُنْتَ) (عَنْكَ) (فَبَصَرُكَ) بِالْكَسْرِ عَلَى خِطَابِ النفس.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب