الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ﴾ الْآيَةَ تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي "النساء" [[راجع ج ٥ ص ٤١٠.]]. والمعنى: أتمم عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي فَكُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ، أَيْ لِأَجْلِ ثَوَابِ اللَّهِ، فَقُومُوا بِحَقِّهِ، وَاشْهَدُوا بِالْحَقِّ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ إِلَى أَقَارِبِكُمْ، وَحَيْفٍ عَلَى أَعْدَائِكُمْ. (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ وَإِيثَارِ الْعُدْوَانِ عَلَى الْحَقِّ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى نُفُوذِ حُكْمِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ فِي الله تعالى وَنُفُوذِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْعَدْلِ وَإِنْ أَبْغَضَهُ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ عَلَيْهِ وَشَهَادَتُهُ لَا تَجُوزُ فِيهِ مَعَ الْبُغْضِ لَهُ لَمَا كَانَ لِأَمْرِهِ بِالْعَدْلِ فِيهِ وَجْهٌ. وَدَلَّتِ الْآيَةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ كُفْرَ الْكَافِرِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْعَدْلِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُقْتَصَرَ بِهِمْ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ مِنَ الْقِتَالِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَأَنَّ الْمُثْلَةَ بِهِمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَإِنْ قَتَلُوا نِسَاءَنَا وَأَطْفَالَنَا وَغَمُّونَا بِذَلِكَ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَقْتُلَهُمْ بِمُثْلَةٍ قَصْدًا لِإِيصَالِ الْغَمِّ وَالْحُزْنِ إِلَيْهِمْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بِقَوْلِهِ فِي الْقِصَّةِ الْمَشْهُورَةِ [[كذا في كل الأصول، ويبدو فيه سقط. والمراد بالقصة- والله أعلم- ما حدث لزينب بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ راجع الروض الأنف ج ٢ ص ٨٢.]]، هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ [[راجع ص ٤٤ من هذا الجزء.]] معنى قوله: "لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ". وقرى "وَلَا يُجْرِمَنَّكُمْ" قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُمَا لُغَتَانِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى "لَا يُجْرِمَنَّكُمْ" لَا يُدْخِلَنَّكُمْ فِي الْجُرْمِ، كَمَا تَقُولُ: آثَمَنِي أَيْ أَدْخَلَنِي فِي الْإِثْمِ. وَمَعْنَى (هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أَيْ لِأَنْ تَتَّقُوا اللَّهَ. وَقِيلَ: لِأَنْ تَتَّقُوا النَّارَ. وَمَعْنَى (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) أَيْ قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ: "لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ" أَيْ لَا تَعْرِفُ كُنْهَهُ أَفْهَامُ الْخَلْقِ، كَمَا قَالَ: "فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ" [[راجع ج ١٤ ص ١٠٣.]]] السجدة: ١٧]. وَإِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "أَجْرٌ عَظِيمٌ" وَ "أَجْرٍ كَرِيمٍ"] يس: ١١] و "أَجْرٌ كَبِيرٌ"] هود: ١١] فَمَنْ ذَا الَّذِي يَقْدُرُ قَدْرَهُ؟. وَلَمَّا كَانَ الْوَعْدُ مِنْ قُبَيلِ الْقَوْلِ حَسُنَ إِدْخَالُ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: "لَهُمْ مَغْفِرَةٌ" وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ الْمَوْعُودِ بِهِ، عَلَى مَعْنَى وَعَدَهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَغْفِرَةً أَوْ وَعَدَهُمْ مَغْفِرَةً إِلَّا أَنَّ الْجُمْلَةَ وَقَعَتْ مَوْقِعَ الْمُفْرَدِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ [[هو عبد العزيز الكلابي.]]: وَجَدْنَا الصَّالِحِينَ لَهُمْ جَزَاءٌ ... وجنات وعينا سلسبيلا وَمَوْضِعُ الْجُمْلَةِ نَصْبٌ، وَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهَا بِالنَّصْبِ. وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَوْعُودُ بِهِ مَحْذُوفًا، عَلَى تَقْدِيرِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ فِيمَا وَعَدَهُمْ بِهِ. وَهَذَا الْمَعْنَى عَنِ الْحَسَنِ. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) نَزَلَتْ فِي بني النضير. وقيل: في جميع الكفار.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب