الباحث القرآني
فِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾ أَيْ "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" وَ "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ" فَأَعَادَ تَأْكِيدًا أَيْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ الَّتِي سألتم عنها، وكانت الطَّيِّبَاتُ أُبِيحَتْ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَهَذَا جَوَابُ سُؤَالِهِمْ إِذْ قَالُوا: مَاذَا أُحِلَّ لَنَا؟. وَقِيلَ: أَشَارَ بِذِكْرِ الْيَوْمِ إِلَى وَقْتِ مُحَمَّدٍ ﷺ كَمَا يُقَالُ: هَذِهِ أَيَّامُ فُلَانٍ، أَيْ هَذَا أَوَانُ ظُهُورِكُمْ وَشُيُوعِ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ أَكْمَلْتُ بِهَذَا دِينَكُمْ، وَأَحْلَلْتُ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الطَّيِّبَاتِ فِي الْآيَةِ قَبْلَ هَذَا. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. وَالطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ وَالذَّبَائِحُ مِنْهُ، وَهُوَ هُنَا خَاصٌّ بِالذَّبَائِحِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ. وَأَمَّا مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا مِنْ طَعَامِهِمْ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ تَحْتَ عُمُومِ الْخِطَابِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ" [[راجع ج ٧ ص ٧٤.]]] الانعام: ١٢١]، ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: "وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ" يَعْنِي ذَبِيحَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، وَإِنْ كَانَ النَّصْرَانِيُّ يَقُولُ عِنْدَ الذَّبْحِ: بِاسْمِ الْمَسِيحِ وَالْيَهُودِيُّ يَقُولُ: بِاسْمِ عُزَيْرٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَذْبَحُونَ عَلَى الْمِلَّةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: كُلْ مِنْ ذَبِيحَةِ النَّصْرَانِيِّ وَإِنْ قَالَ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَبَاحَ ذَبَائِحَهُمْ، وَقَدْ عَلِمَ مَا يَقُولُونَ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ: كُلْ مِنْ ذَبِيحَتِهِ وَإِنْ قَالَ بِاسْمِ سَرْجِسَ [[ولعل الصواب: جرجس.]] - اسْمُ كَنِيسَةٍ لَهُمْ- وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَمَكْحُولٍ، وَرُوِيَ عن صحابيين: عن أبي الدرداء وعبادة ابن الصَّامِتِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا سَمِعْتَ الْكِتَابِيَّ يُسَمِّي غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا تَأْكُلْ، وَقَالَ بِهَذَا مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ مُتَمَسِّكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ"] الانعام: ١٢١]. وَقَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُ. قُلْتُ: الْعَجَبُ مِنِ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ الَّذِي حَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ أَخَذَ يَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَقَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَ عَلَى الذَّبِيحَةِ إِلَّا الْإِلَهَ الَّذِي لَيْسَ مَعْبُودًا حَقِيقَةً مِثْلَ الْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ، وَلَوْ سَمَّوُا الْإِلَهَ حَقِيقَةً لَمْ تَكُنْ تَسْمِيَتُهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى طَرِيقٍ آخَرَ، وَاشْتِرَاطُ التَّسْمِيَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَا يُعْقَلُ، وَوُجُودُ التَّسْمِيَةِ مِنَ الْكَافِرِ وَعَدَمِهَا بِمَثَابَةٍ وَاحِدَةٍ، إِذَا لَمْ تُتَصَوَّرْ مِنْهُ الْعِبَادَةُ، وَلِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ إِنَّمَا يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ الْمَسِيحِ، وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ بِحِلِّ ذَبَائِحِهِمْ مُطْلَقًا، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ على أن التَّسْمِيَةَ لَا تُشْتَرَطُ أَصْلًا كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَسَيَأْتِي مَا فِي هَذَا لِلْعُلَمَاءِ فِي "الْأَنْعَامِ" [[ج ٧ ص ٧٥.]] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّالِثَةُ- وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَاةٍ كَالطَّعَامِ الَّذِي لَا مُحَاوَلَةَ فِيهِ كَالْفَاكِهَةِ وَالْبُرِّ جَائِزٌ أَكْلُهُ، إِذْ لَا يَضُرُّ فِيهِ تَمَلُّكُ أَحَدٍ. وَالطَّعَامُ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ مُحَاوَلَةٌ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا- مَا فِيهِ مُحَاوَلَةُ صَنْعَةٍ لَا تَعَلُّقَ لِلدِّينِ بِهَا، كَخَبْزِ الدَّقِيقِ، وَعَصْرِ الزَّيْتِ وَنَحْوِهِ، فَهَذَا إِنْ تُجُنِّبَ مِنَ الذِّمِّيِّ فَعَلَى وَجْهِ التَّقَزُّزِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي- هِيَ التَّذْكِيَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى الدِّينِ وَالنِّيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ أَلَّا تَجُوزَ ذَبَائِحُهُمْ- كَمَا نَقُولُ إِنَّهُمْ لَا صَلَاةَ لَهُمْ وَلَا عِبَادَةَ مَقْبُولَةٌ- رَخَّصَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَبَائِحِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَخْرَجَهَا النَّصُّ عَنِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِيمَا ذَكَّوْهُ هَلْ تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيمَا حُرِّمَ عليهم أولا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا عَامِلَةٌ فِي كُلِّ الذَّبِيحَةِ مَا حَلَّ لَهُ مِنْهَا وَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُذَكًّى. وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّمَا حَلَّ لَنَا مِنْ ذَبِيحَتِهِمْ مَا حَلَّ لَهُمْ، لِأَنَّ مَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ لَا تَعْمَلُ فِيهِ تَذْكِيَتُهُمْ، فَمَنَعَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الطَّرِيفَ [[كلمة عبرية، في الخرشي على (مختصر خليل) (الطريقة): هي أن توجد الذبيحة فاسدة الرئة أي ملتصقة بظهر الحيوان، وإنما كانت الطريقة عندهم محرمة لان ذلك علامة على أنها لا تعيش من ذلك فلا تعمل فيها الذكاة عندهم بمنزلة منفوذة المقاتل عندنا.]]، وَالشُّحُومَ الْمَحْضَةَ مِنْ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَصَرَتْ لَفْظَ الطَّعَامِ عَلَى الْبَعْضِ، وَحَمَلَتْهُ الْأُولَى عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ مَا يُؤْكَلُ. وَهَذَا الْخِلَافُ مَوْجُودٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَكَرِهَ مَالِكٌ شُحُومَ الْيَهُودِ وَأَكْلَ مَا نَحَرُوا مِنَ الْإِبِلِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي "الْأَنْعَامِ" [[ج ٧ ص ١٢٤.]] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكْرَهُ مَا ذَبَحُوهُ إِذَا وُجِدَ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ، وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَسْوَاقٌ يَبِيعُونَ فِيهَا مَا يَذْبَحُونَ، وَهَذَا مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَنَزُّهٌ. الْخَامِسَةُ- وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ- إِلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ- عَلَى أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ لَا تُؤْكَلُ وَلَا يُتَزَوَّجُ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. ولا بأس بأكل طَعَامِ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ كَالْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذَكَاةٍ، إِلَّا الْجُبْنَ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِنْفَحَةِ [[الإنفحة (بكسر الهمزة وفتح الفاء): كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل فإذا أكل فهو كرش، يستخرج منه شي لونه أصفر يوضع على اللبن فيتجبن.]] الْمَيْتَةِ. فَإِنْ كَانَ أَبُو الصَّبِيِّ مَجُوسِيًّا وَأُمُّهُ كِتَابِيَّةٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ إِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مِمَّنْ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. السَّادِسَةُ- وَأَمَّا ذَبِيحَةُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَذَبَائِحُ كُلِّ دَخِيلٍ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَى عَنْ ذَبَائِحِ بَنِي تَغْلِبَ، لِأَنَّهُمْ عَرَبٌ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا بِشَيْءٍ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ يُنْهَى عَنْ ذَبَائِحِ النَّصَارَى الْمُحَقَّقِينَ مِنْهُمْ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ: إِنَّ ذَبِيحَةَ كُلِّ نَصْرَانِيٍّ حَلَالٌ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيُّ. وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ"»
] المائدة: ٥١]، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَنُو تَغْلِبَ مِنَ النَّصَارَى إِلَّا بِتَوَلِّيهِمْ إِيَّاهُمْ لَأُكِلَتْ ذَبَائِحُهُمْ. السَّابِعَةُ- وَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالطَّبْخِ فِي آنِيَةِ الْكُفَّارِ كُلِّهِمْ، مَا لَمْ تَكُنْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ جِلْدَ خِنْزِيرٍ بَعْدَ أَنْ تُغْسَلَ وَتُغْلَى، لِأَنَّهُمْ لَا يَتَوَقَّوْنَ النَّجَاسَاتِ وَيَأْكُلُونَ الْمَيْتَاتِ، فَإِذَا طَبَخُوا فِي تِلْكَ الْقُدُورِ تَنَجَّسَتْ، وَرُبَّمَا سَرَتِ النَّجَاسَاتُ فِي أَجْزَاءِ قُدُورِ الْفَخَّارِ، فَإِذَا طُبِخَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ تُوُقِّعَ مُخَالَطَةُ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ النَّجِسَةِ لِلْمَطْبُوخِ فِي الْقِدْرِ ثَانِيَةً، فَاقْتَضَى الْوَرَعُ الْكَفَّ عَنْهَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ غُسِلَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ فَخَّارٍ أُغْلِيَ فِيهِ الْمَاءُ ثُمَّ غُسِلَ- هَذَا إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهِ- وَقَالَهُ مَالِكٌ، فَأَمَّا مَا يَسْتَعْمِلُونَهُ لِغَيْرِ الطَّبْخِ فَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ بَيْتٍ نَصْرَانِيٍّ فِي حُقٍّ نَصْرَانِيَّةٍ [[الحق والحقة (بالضم): وعاء من خشب أو عاج.]]، وَهُوَ صَحِيحٌ وَسَيَأْتِي فِي" الْفُرْقَانِ [[راجع ج ١٣ ص ٤٤.]] "بِكَمَالِهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ؟؟ الْخُشَنِيِّ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ كِتَابٍ نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَأَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِقَوْسِي وَأَصِيدُ بِكَلْبِيَ الْمُعَلَّمِ، وَأَصِيدُ بِكَلْبِيَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، فَأَخْبِرْنِي مَا الَّذِي يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: (أَمَّا مَا ذكرت أَنَّكُمْ بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ كِتَابٍ تَأْكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمْ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا) ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِتَفَاصِيلَ شَرْعِنَا، أَيْ إِذَا اشْتَرَوْا مِنَّا اللَّحْمَ يَحِلُّ لَهُمُ اللَّحْمُ وَيَحِلُّ لَنَا الثَّمَنُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ. التَّاسِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ الآية. قد تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي" الْبَقَرَةِ" [[راجع ج ٣ ص ٦٩ وما بعدها.]] وَ "النِّسَاءِ" [[راجع ج ٥ ص ١٢٠.]] وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ". هُوَ عَلَى الْعَهْدِ دُونَ دَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ خَاصًّا. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ نِكَاحُ الذِّمِّيَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "الْمُحْصَناتُ" الْعَفِيفَاتُ الْعَاقِلَاتُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ أَنْ تُحْصِنَ فَرْجَهَا فَلَا تَزْنِي، وَتَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ. وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ "وَالْمُحْصِنَاتُ" بِكَسْرِ الصَّادِ، وَبِهِ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "الْمُحْصَناتُ" الْحَرَائِرُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ" [[راجع ج ٥ ص ١٢٠.]]] النساء: ٢٥] وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ جُلَّةُ الْعُلَمَاءِ. الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ﴾ قِيلَ: لَمَّا قال تعالى: "الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ" قَالَ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَضِيَ دِينَنَا لَمْ يُبِحْ لَكُمْ نِكَاحَنَا، فَنَزَلَتْ "وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ" أَيْ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: الْبَاءُ صِلَةٌ، أَيْ وَمَنْ يَكْفُرُ الْإِيمَانَ أَيْ يَجْحَدُهُ (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ). وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ "فَقَدْ حَبِطَ" بِفَتْحِ الْبَاءِ. وَقِيلَ: لَمَّا ذُكِرَتْ فَرَائِضُ وَأَحْكَامٌ يَلْزَمُ الْقِيَامُ بِهَا، ذُكِرَ الْوَعِيدُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَأْكِيدِ الزَّجْرِ عَنْ تَضْيِيعِهَا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ الْمَعْنَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ، قَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ: إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَمَعْنَاهَا بِرَبِّ الْإِيمَانِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى الله إيمانا خلافا للحشوية والسالمية، لان الْإِيمَانَ مَصْدَرُ آمَنَ يُؤْمِنُ إِيمَانًا، وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُؤْمِنٌ، وَالْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ، وَالتَّصْدِيقُ لَا يَكُونُ إِلَّا كَلَامًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي تعالى كلاما [[في نسخة ز ما نصه:] وجد في ورقة بخط المصنف من هاهنا إلى آخر الصفحة: قوله تعالى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ). العلماء أي أجر عمله وثوابه لان الكفر وإن وقع والعياذ بالله منه وأحبط ما تقدم من إيمانه ينقلب الوجود منه معدوما من أصله وإنما يحبط أجره ويبطل ثوابه وفي إجماع المسلمين على إثبات الردة ما دل على ثبوت الايمان قبله فبان بهذا أن الكفر إذا طرأ على الايمان قطعه من حيث وجد إلى أن مضى. حبط أجره لا أن عينه تحبط فيصير كأن لم يكن وينقلب الموجود منه حقيقة معدودا وهذا واضح والله أعلم []].
{"ayah":"ٱلۡیَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ حِلࣱّ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلࣱّ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَ وَلَا مُتَّخِذِیۤ أَخۡدَانࣲۗ وَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلۡإِیمَـٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق