الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ. (يُبَيِّنُ لَكُمْ) انْقِطَاعَ حُجَّتِهِمْ حَتَّى لَا يَقُولُوا غَدًا مَا جَاءَنَا رَسُولٌ. (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) أَيْ سُكُونٍ، يُقَالُ فَتَرَ الشَّيْءُ سَكَنَ. وَقِيلَ: "عَلى فَتْرَةٍ" عَلَى انْقِطَاعٍ مَا بَيْنَ النَّبِيِّينَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ وَجَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، حَكَاهُ الرُّمَّانِيُّ، قَالَ: وَالْأَصْلُ فِيهَا انْقِطَاعُ الْعَمَلِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْجِدِّ فِيهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فَتَرَ عَنْ عَمَلِهِ وَفَتَّرْتُهُ عَنْهُ. وَمِنْهُ فَتَرَ الْمَاءُ إِذَا انْقَطَعَ عَمَّا كَانَ مِنَ السُّخُونَةِ إِلَى الْبَرْدِ. وَامْرَأَةٌ فَاتِرَةُ الطَّرْفِ أَيْ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ حِدَّةِ النَّظَرِ. وَفُتُورُ الْبَدَنِ كَفُتُورِ الْمَاءِ. وَالْفِتْرُ مَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ إِذَا فَتَحْتُهُمَا. وَالْمَعْنَى، أَيْ مَضَتْ لِلرُّسُلِ مُدَّةٌ قَبْلَهُ. وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ مُدَّةِ تِلْكَ الْفَتْرَةِ، فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِ "الطَّبَقَاتِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَلْفُ سَنَةٍ وَسَبْعُمِائَةِ [[على المشهور. وفي الأصول: ألف سنة وتسعمائة.]] سَنَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَتْرَةٌ، وَأَنَّهُ أُرْسِلَ بَيْنَهُمَا أَلْفُ نَبِيٍّ مِنْ بني إسرائيل سِوَى مَنْ أُرْسِلَ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَكَانَ بَيْنَ مِيلَادِ عِيسَى وَالنَّبِيِّ ﷺ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، بُعِثَ فِي أَوَّلِهَا ثَلَاثَةُ أَنْبِيَاءَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ﴾[[راجع ج ١٥ ص ١٣.]] [يس: ١٤] وَالَّذِي عُزِّزَ بِهِ "شَمْعُونُ" وَكَانَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ. وَكَانَتِ الْفَتْرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ فِيهَا رَسُولًا أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ أَنَّ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ خمسمائة سنة وتسعا وستين، وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَنْبِيَاءَ، وَاحِدٌ [[راجع هامش ص ١٦ من هذا الجزء.]] مِنَ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي عَبْسٍ وَهُوَ خَالِدُ بْنُ سِنَانَ. قَالَ القشيري: ومثل هذا مما لم لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِخَبَرِ صِدْقٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ سِتُّمِائَةِ سنة، وقاله مقاتل والضحاك ووهب ابن مُنَبِّهٍ، إِلَّا أَنَّ وَهْبًا زَادَ عِشْرِينَ سَنَةً. وَعَنِ الضَّحَّاكِ أَيْضًا أَرْبَعُمِائَةٍ وَبِضْعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً. وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ قَالُوا: كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ، وَالْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ، وَبَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ عَشَرَةُ قُرُونٍ، وَالْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ، وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَشَرَةُ قُرُونٍ، وَالْقَرْنُ مِائَةُ سَنَةٍ، فَهَذَا مَا بَيْنَ آدَمَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنَ الْقُرُونِ وَالسِّنِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (أَنْ تَقُولُوا) أَيْ لِئَلَّا أَوْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَقُولُوا، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. "مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ" أَيْ مُبَشِّرٍ. "وَلا نَذِيرٍ" أَيْ مُنْذِرٍ. وَيَجُوزُ "مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ" عَلَى الْمَوْضِعِ [[وزيادة (من) في الفاعل للمبالغة في نفى المجيء. (روح المعاني).]]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ لِلْيَهُودِ، يَا مَعْشَرَ يَهُودٍ اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَتَصِفُونَهُ بِصِفَتِهِ، فَقَالُوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى وَلَا أَرْسَلَ بَعْدَهُ مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. (وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عَلَى إِرْسَالِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ. وَقِيلَ: قَدِيرٌ عَلَى إنجاز ما بشر به وأنذر منه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب