الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ أَيْ يُخْفِضُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ إِذَا تَكَلَّمُوا إِجْلَالًا لَهُ، أَوْ كَلَّمُوا غَيْرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ إِجْلَالًا لَهُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمَّا نَزَلَتْ "لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ" قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ لَا أَرْفَعُ صَوْتِي إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ [[السرار (بالكسر): المسارة، أي كصاحب السرار، أو كمثل المساررة لخفض صوته، والكاف صفة لمصدر محذوف.]]. وَذَكَرَ سُنَيْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَ هَذَا إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمَّا نَزَلَتْ "لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ" مَا حَدَّثَ عُمَرُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ فَسُمِعَ كَلَامُهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ مِمَّا يُخْفِضُ، فَنَزَلَتْ "إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ". قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ أَخْلَصَهَا لِلتَّقْوَى. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: أَيِ اخْتَصَّهَا لِلتَّقْوَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى " طَهَّرَهُمْ مِنْ كُلِّ قَبِيحٍ، وَجَعَلَ فِي قلوبهم الخوف من الله وَالتَّقْوَى. وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَذْهَبَ عَنْ قُلُوبِهِمُ الشَّهَوَاتِ. وَالِامْتِحَانُ افْتِعَالٌ مِنْ مَحَنْتُ الْأَدِيمَ مَحْنًا حَتَّى أَوْسَعْتُهُ. فَمَعْنَى امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى وَسَّعَهَا وَشَرَحَهَا لِلتَّقْوَى. وَعَلَى الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ: امْتَحَنَ قُلُوبَهُمْ فَأَخْلَصَهَا، كَقَوْلِكَ: امْتَحَنْتُ الْفِضَّةَ أَيِ اخْتَبَرْتُهَا حَتَّى خَلُصَتْ. فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَهُوَ الْإِخْلَاصُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: كُلُّ شَيْءٍ جَهَدْتُهُ فَقَدْ مَحَنْتُهُ. وَأَنْشَدَ: أَتَتْ رَذَايَا بَادِيًا كَلَالُهَا ... قَدْ مَحَنَتْ وَاضْطَرَبَتْ آطالها [[الرذايا: جمع رذية، وهي الناقة المهزولة من السير. والكلال: الإعياء. والآطال: جمع إطل، وهو الخاصرة.]] "لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب