الباحث القرآني
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، فَلَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ ارْتَابَ الْمُنَافِقُونَ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى "لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ" فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ سَيَدْخُلُونَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْعَامِ، وَأَنَّ رُؤْيَاهُ ﷺ حَقٌّ. وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي قَالَ إِنَّ الْمَنَامَ لَمْ يَكُنْ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ، وَأَنَّهُ سَيَدْخُلُ. وَرُوِيَ أَنَّ الرُّؤْيَا كَانَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ. وَالرُّؤْيَا أَحَدُ وُجُوهِ الْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ. "لَتَدْخُلُنَّ" أَيْ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ "الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ" قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: إِنَّهُ حِكَايَةُ مَا قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فِي مَنَامِهِ، خُوطِبَ فِي مَنَامِهِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ رَسُولِهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَلِهَذَا اسْتَثْنَى، تَأَدَّبَ بِأَدَبِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾[[آية ٢٣ سورة الكهف.]] [الكهف: ٢٤ - ٢٣]. وَقِيلَ: خَاطَبَ اللَّهُ الْعِبَادَ بِمَا يُحِبُّ أَنْ يقولوه، كما قال "وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ". وَقِيلَ: اسْتَثْنَى فِيمَا يَعْلَمُ لِيَسْتَثْنِيَ الْخَلْقُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ، قَالَهُ ثَعْلَبٌ. وَقِيلَ: كَانَ اللَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يُمِيتُ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَوَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ لِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ. وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ "آمِنِينَ"، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مُخَاطَبَةِ الْعِبَادِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. وَقِيلَ: مَعْنَى "إِنْ شاءَ اللَّهُ" إِنْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِالدُّخُولِ. وَقِيلَ: أَيْ إِنْ سَهَّلَ اللَّهُ. وَقِيلَ: "إِنْ شاءَ اللَّهُ" أَيْ كَمَا شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: "إِنْ" بِمَعْنَى "إِذْ"، أَيْ إِذْ شَاءَ اللَّهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[[آية ٢٧٨ سورة البقرة.]] [البقرة: ٢٧٨] أَيْ إِذْ كُنْتُمْ. وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ "إِذْ" فِي الْمَاضِي مِنَ الْفِعْلِ، وَ "إِذَا" فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذَا الدُّخُولُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَوَعَدَهُمْ دُخُولَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَعَلَّقَهُ بِشَرْطِ الْمَشِيئَةِ، وَذَلِكَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ فَاسْتَبْشَرُوا، ثُمَّ تَأَخَّرَ ذَلِكَ عَنِ الْعَامِ الَّذِي طَمِعُوا فِيهِ فَسَاءَهُمْ ذَلِكَ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ وَصَالَحَهُمْ وَرَجَعَ، ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ "لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ". وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ فِي الْمَنَامِ "لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ" فَحَكَى فِي التَّنْزِيلِ مَا قِيلَ لَهُ فِي الْمَنَامِ، فَلَيْسَ هُنَا شَكٌّ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَدُلُّ عَلَى الشَّكِّ، والله تعالى لا يشك، و "لَتَدْخُلُنَّ" تحقيق فكيف يكون شك. ف "إن" بمعنى "إذا". "آمِنِينَ" أي من العدو. "مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ" وَالتَّحْلِيقُ وَالتَّقْصِيرُ جَمِيعًا لِلرِّجَالِ، وَلِذَلِكَ غَلَّبَ الْمُذَكَّرَ عَلَى الْمُؤَنَّثِ. وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ إِلَّا التَّقْصِيرُ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي "الْبَقَرَةِ" [[راجع ج ٢ ص ٣٨١ طبعه ثانية.]]. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَخَذَ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ. وَهَذَا كَانَ فِي الْعُمْرَةِ لَا فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَلَقَ فِي حَجَّتِهِ. "لَا تَخافُونَ" حَالٌ مِنَ الْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ، وَالتَّقْدِيرُ: غَيْرَ خَائِفِينَ. "فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا" أَيْ عَلِمَ مَا فِي تَأْخِيرِ الدُّخُولِ مِنَ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مَا لَمْ تَعْلَمُوهُ أَنْتُمْ. وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا رَجَعَ مَضَى مِنْهَا إِلَى خَيْبَرَ فَافْتَتَحَهَا، وَرَجَعَ بِأَمْوَالِ خَيْبَرَ وَأَخَذَ مِنَ الْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ أَضْعَافَ مَا كَانَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَأَقْبَلَ إِلَى مَكَّةَ عَلَى أُهْبَةٍ وَقُوَّةٍ وَعُدَّةٍ بِأَضْعَافِ ذَلِكَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ عَلِمَ أَنَّ دُخُولَهَا إِلَى سَنَةٍ وَلَمْ تَعْلَمُوهُ أَنْتُمْ. وَقِيلَ: عَلِمَ أَنَّ بِمَكَّةَ رِجَالًا مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً مُؤْمِنَاتٍ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ. "فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً" أَيْ مِنْ دُونِ رُؤْيَا النَّبِيِّ ﷺ فَتْحَ خَيْبَرَ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَالضَّحَّاكُ. وَقِيلَ فَتْحُ مَكَّةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا فَتَحَ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ الْقِتَالُ حِينَ تَلْتَقِي النَّاسُ، فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَأَمِنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَالْتَقَوْا وَتَفَاوَضُوا الْحَدِيثَ وَالْمُنَاظَرَةَ. فَلَمْ يُكَلَّمْ أَحَدٌ بِالْإِسْلَامِ يَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا دَخَلَ فِيهِ، فَلَقَدْ دخل تَيْنِكَ السَّنَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُ مَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ. يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا سَنَةَ سِتٍّ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَكَانُوا بَعْدَ عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ ثمان في عشرة آلاف.
{"ayah":"لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡیَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ ءَامِنِینَ مُحَلِّقِینَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِینَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُوا۟ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَ ٰلِكَ فَتۡحࣰا قَرِیبًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق