الباحث القرآني

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلا تَهِنُوا﴾ أَيْ تَضْعُفُوا عَنِ الْقِتَالِ. وَالْوَهَنُ: الضَّعْفُ وَقَدْ وَهَنَ الْإِنْسَانُ وَوَهَنَهُ غَيْرُهُ، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. قَالَ: إنني لست بموهون فقر [[هذا عجز بيت لطرفة، وصدره: وإذا تلسنني ألسنها]] ووهن أيضا (بالكسر) وهنا أي ضعف، وقرى "فَما وَهَنُوا" بِضَمِّ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا. وَقَدْ مَضَى فِي (آلِ عِمْرَانَ) [[راجع ج ٤ ص (٢٣٠)]]. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ﴾ أَيِ الصُّلْحَ. "وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ" أَيْ وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ فِي الْحُجَّةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَأَنْتُمُ الْغَالِبُونَ لِأَنَّكُمْ مُؤْمِنُونَ وَإِنْ غَلَبُوكُمْ فِي الظَّاهِرِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا تَكُونُوا أَوَّلَ الطَّائِفَتَيْنِ ضَرَعَتْ إِلَى صَاحِبَتِهَا. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهَا، فَقِيلَ: إِنَّهَا نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها﴾[[آية ٦١ سورة الأنفال]] [الأنفال: ٦١]، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى الصُّلْحِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ إِلَى الصُّلْحِ. وَقِيلَ: مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها". وَقِيلَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ. وَالْآيَتَانِ نَزَلَتَا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْحَالِ. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها" مَخْصُوصٌ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَالْأُخْرَى عَامَّةٌ. فَلَا يَجُوزُ مُهَادَنَةُ الْكُفَّارِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ إِذَا عَجَزْنَا عَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى [[راجع ج ٨ ص ٦٩]]. "وَاللَّهُ مَعَكُمْ" أَيْ بِالنَّصْرِ والمعونة، مثل ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[[٣٩ سورة العنكبوت.]] [العنكبوت: ٦٩] "وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ" أَيْ لَنْ يُنْقِصَكُمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُ الْمَوْتُورُ الَّذِي قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَمْ يُدْرَكْ بِدَمِهِ، تَقُولُ مِنْهُ: وَتَرَهُ يَتِرُهُ وَتْرًا وَتِرَةً. وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:] مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وَتَرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ [أَيْ ذَهَبَ بِهِمَا. وَكَذَلِكَ وَتَرَهُ حَقَّهُ أَيْ نَقَصَهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ﴾ أَيْ لَنْ يَنْتَقِصَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ، كَمَا تَقُولُ: دَخَلْتُ الْبَيْتَ، وَأَنْتَ تُرِيدُ فِي الْبَيْتِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. الْفَرَّاءُ: "وَلَنْ يَتِرَكُمْ" هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَتْرِ وَهُوَ الْفَرْدُ، فَكَانَ الْمَعْنَى وَلَنْ يفردكم بغير ثواب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب