الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَفِيهِ- وَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ عَالِمًا بِاللَّهِ- ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: يَعْنِي اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَكَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. الثَّانِي- مَا عَلِمْتَهُ اسْتِدْلَالًا فَاعْلَمْهُ خَبَرًا يَقِينًا. الثَّالِثُ- يَعْنِي فَاذْكُرْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، فعبر عن الذكر بالعلم لِحُدُوثِهِ عَنْهُ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ فَضْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ حِينَ بَدَأَ بِهِ "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ" فَأُمِرَ بِالْعَمَلِ بَعْدَ الْعِلْمِ وَقَالَ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ- إِلَى قَوْلِهِ- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾[[آية ٢٠ سورة الحديد.]] [الحديد: ٢١ - ٢٠] وقال: "وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ" [[آية ٢٨ سورة الأنفال.]] [الأنفال: ٢٨]. ثم قال بعد: ﴿فَاحْذَرُوهُمْ﴾[[فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ" آية ١٤ سورة التغابن.]] [التغابن: ١٤]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾[[آية ٤١ سورة الأنفال.]] [الأنفال: ٤١]. ثُمَّ أَمَرَ بِالْعَمَلِ بَعْدُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- يَعْنِي اسْتَغْفِرِ اللَّهَ أَنْ يَقَعَ مِنْكَ ذَنْبٌ. الثَّانِي- اسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِيَعْصِمَكَ مِنَ الذُّنُوبِ. وَقِيلَ: لَمَّا ذَكَرَ لَهُ حَالَ الْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَمَرَهُ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ، أَيِ اثْبُتْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْحَذَرِ عَمَّا تَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُمَّةُ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تُوجِبُ الْآيَةُ اسْتِغْفَارَ الْإِنْسَانِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. وَقِيلَ: كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَضِيقُ صَدْرُهُ مِنْ كُفْرِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ أَيْ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا كَاشِفَ يَكْشِفُ مَا بِكَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَا تُعَلِّقْ قَلْبَكَ بِأَحَدٍ سِوَاهُ. وَقِيلَ: أُمِرَ بِالِاسْتِغْفَارِ لِتَقْتَدِيَ بِهِ الْأُمَّةُ. "وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ" أَيْ وَلِذُنُوبِهِمْ. وَهَذَا أَمْرٌ بِالشَّفَاعَةِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَأَكَلْتُ مِنْ طَعَامِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَفَرَ اللَّهُ لَكَ! فَقَالَ لَهُ صَاحِبِي: هَلِ اسْتَغْفَرَ لَكَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَالَ: نِعْمَ، وَلَكَ. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ "وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ" ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، جُمْعًا [[يريد مثل جمع الكف، وهو أن يجمع الأصابع ويضمها.]] [عَلَيْهِ [[زيادة عن صحيح مسلم. والخيلان: جمع خال، وهو الشامة في الجسد. والثآليل: وهو ثؤلول، وهي حبيبات تعلو الجسد.]] [خِيلَانٌ كَأَنَّهُ الثَّآلِيلُ. "وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ" فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا- يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ فِي تَصَرُّفِكُمْ وَإِقَامَتِكُمْ. الثَّانِي- "مُتَقَلَّبَكُمْ" فِي أَعْمَالِكُمْ نَهَارًا "وَمَثْواكُمْ" فِي لَيْلِكُمْ نياما. وقيل "مُتَقَلَّبَكُمْ" فِي الدُّنْيَا. "وَمَثْواكُمْ" فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: "مُتَقَلَّبَكُمْ" فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ إِلَى أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ. "وَمَثْواكُمْ" مَقَامُكُمْ فِي الْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: "مُتَقَلَّبَكُمْ" من ظهر إلى بطن إلى الدُّنْيَا. "وَمَثْواكُمْ" فِي الْقُبُورِ. قُلْتُ: وَالْعُمُومُ يَأْتِي عَلَى هَذَا كُلِّهِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ مِنْ حَرَكَاتِ بَنِي آدَمَ وَسَكَنَاتِهِمْ، وَكَذَا جَمِيعُ خَلْقِهِ. فَهُوَ عَالِمٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ قَبْلَ كَوْنِهِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا أُولَى وَأُخْرَى. سُبْحَانَهُ! لَا إله إلا هو.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب