الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالُوا يَا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ﴾ أَيِ الْقُرْآنَ، وَكَانُوا مُؤْمِنِينَ بِمُوسَى. قَالَ عَطَاءٌ: كَانُوا يَهُودًا فَأَسْلَمُوا، وَلِذَلِكَ قَالُوا: "أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ". وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْجِنَّ لَمْ تَكُنْ سَمِعَتْ بِأَمْرِ عِيسَى، فَلِذَلِكَ قَالَتْ: "أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ". "مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ" يَعْنِي ما قبله من التوراة. "يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ" دِينِ الْحَقِّ. "وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ" دِينُ اللَّهِ القويم. "يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ" يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ. قُلْتُ: يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:] أُعْطِيَتْ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَأُعْطِيَتُ الشَّفَاعَةَ [. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ: الْجِنُّ وَالْإِنْسُ. وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ "وَبُعِثْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ". "وَآمِنُوا بِهِ" أَيْ بِالدَّاعِي، وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ. وَقِيلَ: "بِهِ" أَيْ بِاللَّهِ، لِقَوْلِهِ: "يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، فَرَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَوَافَقُوهُ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ وَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ. مَسْأَلَةٌ- هَذِهِ الْآيُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ كَالْإِنْسِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ لِمُؤْمِنِي الْجِنِّ ثَوَابٌ غَيْرَ نَجَاتِهِمْ مِنَ النَّارِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ﴾. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: لَيْسَ ثَوَابُ الْجِنِّ إِلَّا أَنْ يُجَارُوا مِنَ النَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: كُونُوا تُرَابًا مِثْلَ الْبَهَائِمِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُمْ كما يعاقبون فِي الْإِسَاءَةِ يُجَازَوْنَ فِي الْإِحْسَانِ مِثْلُ الْإِنْسِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَدْ قَالَ الضَّحَّاكُ: الْجِنُّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ. قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾[[آية ١٣٢ سورة الانعام.]] [الانعام: ١٣٢] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يُثَابُونَ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، لِأَنَّهُ قال في أول الآية:"امَعْشَرَ [[آية ١٣٠ سورة الانعام.]] ْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي- إِلَى أَنْ قَالَ- وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا" [الانعام: ١٣٢ - ١٣٠]. وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا فِي سُورَةِ "الرَّحْمَنِ" [[راجع ج ١٧ ص ١٦٧.]] مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب