الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ أَيْ فِي خَلْقِهِمَا "لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ" يَعْنِي الْمَطَرَ. "فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" تَقَدَّمَ جَمِيعُهُ مُسْتَوْفًى فِي "الْبَقَرَةِ" وَغَيْرِهَا [[راجع ج ٢ ص ١٩١ وما بعدها. وج ١٤ ص (٥٨)]]. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ "وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ" "وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ" بِالرَّفْعِ فِيهِمَا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا. وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَلَى اسْمِ "إِنَّ" وَخَبَرِهَا "فِي السَّماواتِ". وَوَجْهُ الْكَسْرِ فِي "آيَاتٍ" الثَّانِي الْعَطْفُ على ما عملت فيه، التقدير: وإن فِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ. فَأَمَّا الثَّالِثُ فَقِيلَ: إِنَّ وَجْهَ النَّصْبِ فِيهِ تَكْرِيرُ "آيَاتٌ" لَمَّا طَالَ الْكَلَامُ، كَمَا تَقُولُ: ضَرَبْتُ زَيْدًا زَيْدًا [[في ل: زيدا وزيدا بزيادة الواو.]]. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى مَا عَمِلَتْ فِيهِ "إِنَّ" عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ "فِي"، التَّقْدِيرُ: وَفِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ آيَاتٌ. فَحُذِفَتْ "فِي" لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهَا. وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ في الحذف: أَكُلَّ امْرِئٍ تَحْسِبِينَ امْرَأً ... وَنَارٍ تَوَقَّدُ بِاللَّيْلِ [[البيت لابي دواد الايادي.]] نَارَا فَحَذَفَ "كُلَّ" الْمُضَافَ إِلَى نَارٍ الْمَجْرُورَةِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهَا. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ. وَلَمْ يُجِزْهُ سِيبَوَيْهِ، وَأَجَازَهُ الْأَخْفَشُ وجماعة من الكوفيين، فعطف "اختلاف" عَلَى قَوْلِهِ: (وَفِي خَلْقِكُمْ) ثُمَّ قَالَ: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ) فَيَحْتَاجُ إِلَى الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ، وَالْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ قَبِيحٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ حُرُوفَ الْعَطْفِ تَنُوبُ مَنَابَ الْعَامِلِ، فَلَمْ تَقْوَ أَنْ تَنُوبَ مَنَابَ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، إِذْ لَوْ نَابَ مَنَابَ رَافِعٍ وَنَاصِبٍ لَكَانَ رَافِعًا نَاصِبًا فِي حَالٍ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الرَّفْعِ فَحَمْلًا عَلَى مَوْضِعِ "إِنَّ" مَعَ مَا عَمِلَتْ فِيهِ. وَقَدْ أَلْزَمَ النَّحْوِيُّونَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا الْعَطْفَ عَلَى عاملين، لأنه عطف على "وَاخْتِلَافِ" عَلَى "وَفِي خَلْقِكُمْ"، وَعَطَفَ "آياتٌ" عَلَى مَوْضِعِ "آياتٌ" الْأَوَّلِ، وَلَكِنَّهُ يُقَدَّرُ عَلَى تَكْرِيرِ "فِي". ويجوز أن يرفع عَلَى الْقَطْعِ مِمَّا قَبْلَهُ فَيُرْفَعُ بِالِابْتِدَاءِ، وَمَا قَبْلُهُ خَبَرُهُ، وَيَكُونُ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ. وحكى الفراء رفع "اختلاف" وَ "آياتٌ" جَمِيعًا، وَجَعَلَ الِاخْتِلَافَ هُوَ الْآيَاتُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب