الباحث القرآني

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ﴾ الشَّرِيعَةُ فِي اللُّغَةِ: الْمَذْهَبُ وَالْمِلَّةُ. وَيُقَالُ لِمَشْرَعَةِ الْمَاءِ- وَهِيَ مَوْرِدُ الشَّارِبَةِ-: شَرِيعَةُ. وَمِنْهُ الشَّارِعُ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى الْمَقْصِدِ. فَالشَّرِيعَةُ: مَا شَرَعَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الدِّينِ، وَالْجَمْعُ الشَّرَائِعُ. وَالشَّرَائِعُ فِي الدِّينِ: الْمَذَاهِبُ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لِخَلْقِهِ. فَمَعْنَى "جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ" أَيْ عَلَى مِنْهَاجٍ وَاضِحٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ يَشْرَعُ بِكَ إِلَى الْحَقِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "عَلى شَرِيعَةٍ" أَيْ عَلَى هُدًى مِنَ الْأَمْرِ. قَتَادَةُ: الشَّرِيعَةُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْحُدُودُ والفرائض. مقاتل: البينة، لأنها طَرِيقٌ إِلَى الْحَقِّ. الْكَلْبِيُّ: السُّنَّةُ، لِأَنَّهُ يَسْتَنُّ بِطَرِيقَةِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. ابْنُ زَيْدٍ: الدِّينُ، لِأَنَّهُ طَرِيقُ النَّجَاةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْأَمْرُ يَرِدُ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا- بِمَعْنَى الشَّأْنِ كَقَوْلِهِ: ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾[[آية ٩٧ سورة هود.]] [هود: ٩٧]. وَالثَّانِي- أَحَدُ أَقْسَامِ الْكَلَامِ الَّذِي يُقَابِلُهُ النَّهْيُ. وكلاهما يصح أن يكون مرادا ها هنا، وَتَقْدِيرُهُ: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى طَرِيقَةٍ [[في ج ز ل: على شريعة من الدين.]] مِنَ الدِّينِ وَهِيَ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[[آية ١٢٣ سورة النحل.]] [النحل: ١٢٣]. وَلَا خِلَافَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُغَايِرْ بَيْنَ الشَّرَائِعِ فِي التَّوْحِيدِ وَالْمَكَارِمِ وَالْمَصَالِحِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَيْنَهُمَا فِي الْفُرُوعِ حَسْبَمَا عَلَّمَهُ سُبْحَانَهُ. الثانية- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ظَنَّ بَعْضُ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَفْرَدَ النَّبِيَّ ﷺ وَأُمَّتَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِشَرِيعَةٍ، وَلَا نُنْكِرُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَأُمَّتَهُ مُنْفَرِدَانِ بِشَرِيعَةٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْهُ مِنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ هَلْ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ. وَعَنْهُ: نَزَلَتْ لَمَّا دَعَتْهُ قُرَيْشٌ إِلَى دِينِ آبائه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب