الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تَكادُ السَّماواتُ﴾ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالتَّاءِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ وَثَّابٍ وَالْكِسَائِيُّ بِالْيَاءِ. "يَتَفَطَّرْنَ" قَرَأَ [[في ح ن: قراءة نافع وغيره]] نَافِعٌ وَغَيْرُهُ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ وَالتَّشْدِيدِ فِي الطَّاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ والمفضل وأبو عبيد "ينفطرن" من الانفطار، كقول تعالى: ﴿إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ﴾[[راجع ج ١٩ ص ٢٤٢.]] [الانفطار: ١] وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ "مَرْيَمَ" بَيَانُ هَذَا [[راجع ج ١١ ص ١٥٦.]]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ" أَيْ تَكَادُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَنْفَطِرُ فَوْقَ الَّتِي تَلِيهَا، مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً﴾[[راجع ج ٢ ص ٨٥.]] [البقرة: ١١٦]. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: "يَتَفَطَّرْنَ" أَيْ يَتَشَقَّقْنَ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ فَوْقَهُنَّ. وَقِيلَ: "فَوْقِهِنَّ"، فَوْقَ الْأَرَضِينَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ لَوْ كُنَّ مِمَّا يَعْقِلُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ أَيْ يُنَزِّهُونَهُ عَمَّا لَا يَجُوزُ فِي وَصْفِهِ، وَمَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ. وَقِيلَ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ جُرْأَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَيُذْكَرُ التَّسْبِيحُ فِي مَوْضِعِ التَّعَجُّبِ. وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ تَسْبِيحَهُمْ تَعَجُّبٌ مِمَّا يَرَوْنَ مِنْ تَعَرُّضِهِمْ لِسَخَطِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَسْبِيحُهُمْ خُضُوعٌ لِمَا [[في ك: مما يرون.]] يَرَوْنَ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ. وَمَعْنَى "بِحَمْدِ رَبِّهِمْ" بِأَمْرِ رَبِّهِمْ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. "وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ" قَالَ الضَّحَّاكُ: لِمَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وقاله السدي. بيانه في سورة المؤمن: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٧]. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْمَلَائِكَةُ هُنَا حَمَلَةَ الْعَرْشِ. وَقِيلَ: جَمِيعُ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قول الكلبي. وقال وهب ابن مُنَبِّهٍ: هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: "وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا". قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَهُوَ خَاصٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا رَأَتِ الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتُبِرَا وَبُعِثَا إِلَى الْأَرْضِ لِيَحْكُمَا بينهم، فافتتنا بالزهرة وَهَرَبَا إِلَى إِدْرِيسَ- وَهُوَ جَدُّ أَبِي نُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- وَسَأَلَاهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمَا، سَبَّحَتِ الْمَلَائِكَةُ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَاسْتَغْفَرَتْ لِبَنِي آدَمَ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْحَصَّارِ: وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ من جهل أن هذه الآية نزلت بِسَبَبِ هَارُوتَ وَمَارُوتَ، وَأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي الْمُؤْمِنِ، وَمَا عَلِمُوا أَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ مَخْصُوصُونَ بِالِاسْتِغْفَارِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، وَلِلَّهِ مَلَائِكَةٌ أُخَرُ يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ. الْمَاوَرْدِيُّ: وَفِي اسْتِغْفَارِهِمْ لَهُمْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا- مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مُقَاتِلٍ. الثَّانِي- أَنَّهُ طَلَبُ الرِّزْقِ لَهُمْ وَالسَّعَةِ عَلَيْهِمْ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ. قُلْتُ: وَهُوَ أَظْهَرُ، لِأَنَّ الْأَرْضَ تَعُمُّ الْكَافِرَ وَغَيْرَهُ، وَعَلَى قَوْلِ مُقَاتِلٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرُ. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ خَبَرٌ رَوَاهُ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاءُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ مِنْ آدَمِيٍّ ضَعِيفٍ، كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّرَّاءِ فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاءُ، فَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ. فَإِذَا كَانَ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاءُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مُنْكَرٌ مِنْ آدَمِيٍّ كَانَ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاءُ، فَلَا يَسْتَغْفِرُونَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ فِي الذَّاكِرِ لِلَّهِ [[في ل: في الذاكرين الله.]] تَعَالَى فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَهِيَ خَاصَّةٌ بِبَعْضِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَاللَّهُ أعلم. يحتمل أَنْ يَقْصِدُوا بِالِاسْتِغْفَارِ طَلَبَ الْحِلْمِ وَالْغُفْرَانِ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا﴾[[راجع ج ١٤ ص ٣٥٦]] [فاطر: ٤١]- إِلَى أَنْ قَالَ- إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً"، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ﴾[[راجع ج ٩ ص ٢٨٥]] [الرعد: ٦]. والمراد الحلم عنهم وألا يعالجهم بِالِانْتِقَامِ، فَيَكُونُ عَامًّا، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: وَجَدْنَا أَنْصَحَ عِبَادِ اللَّهِ لِعِبَادِ اللَّهِ الْمَلَائِكَةَ، ووجدنا أغش عِبَادِ اللَّهِ لِعِبَادِ اللَّهِ الشَّيَاطِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ [[راجع ج ١٥ ص ٢٩٥]]. "أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" قَالَ بعض العلماء: هيب وعظم عز وجل في الابتداء، وألطف وبشر في الانتهاء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب