الباحث القرآني

أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ بِالرَّفْعِ عَلَى النَّعْتِ لِاسْمِ اللَّهِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ فَاطِرُ. وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى النِّدَاءِ، وَالْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْهَاءِ فِي "عَلَيْهِ". وَالْفَاطِرُ: الْمُبْدِعُ وَالْخَالِقُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ [[راجع ج ٦ ص ٣٩٧، ج ٩ ص ٢٧٠ و٣٤٦، ج ١٤ ص ٢٤ وما بعدها. ٣١٩]] .. "جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً" قِيلَ معناه إناثا. وإنما قَالَ: "مِنْ أَنْفُسِكُمْ" لِأَنَّهُ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ. "وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً" يَعْنِي الثَّمَانِيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي "الْأَنْعَامِ" [[راجع ج ٧ ص ١١٣ طبعه أولى أو ثانية.]] ذُكُورَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَإِنَاثَهَا. "يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ" أَيْ يَخْلُقُكُمْ وَيُنْشِئُكُمْ "فِيهِ" أَيْ فِي الرَّحِمِ. وَقِيلَ: فِي الْبَطْنِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَابْنُ كَيْسَانَ: "فِيهِ" بِمَعْنَى بِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى "يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ" يُكَثِّركُمْ بِهِ، أَيْ يُكَثِّركُمْ يَجْعَلُكُمْ أَزْوَاجًا، أَيْ حَلَائِلُ، لِأَنَّهُنَّ سَبَبُ النَّسْلِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْهَاءَ فِي "فِيهِ" لِلْجَعْلِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ "جَعَلَ"، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَخْلُقُكُمْ وَيُكَثِّرُكُمْ فِي الْجَعْلِ. ابْنُ قُتَيْبَةَ: "يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ" أَيْ فِي الزَّوْجِ، أَيْ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ الْإِنَاثِ. وَقَالَ: وَيَكُونُ "فِيهِ" فِي الرَّحِمِ، وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ الرَّحِمَ مُؤَنَّثَةٌ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ. "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" قِيلَ: إِنَّ الْكَافَ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، أَيْ لَيْسَ مثله شي. قَالَ: وَصَالِيَاتٍ كَكُمَا يُؤْثَفَيْنَ [[الصاليات: الأثافي، وهي الأحجار التي ينصب عليها القدر. ومعنى يؤثفين: ينصبن للقدر. (راجع خزانة الأدب في الشاهد الخامس والثلاثين بعد المائة وكتاب سيبويه).]] فَأَدْخَلَ عَلَى الْكَافِ كَافًا تَأْكِيدًا لِلتَّشْبِيهِ. وَقِيلَ: الْمِثْلُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وهو قول ثعلب: ليس كهو شي، نَحْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾[[آية ١٣٧ سورة البقرة.]] [البقرة: ١٣٧]. وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ "فَإِنْ آمَنُوا بِمَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا" قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ: وَقَتْلَى كَمِثْلِ جُذُوعِ النَّ ... خِيلِ يَغْشَاهُمْ مَطَرٌ مُنْهَمِرُ أَيْ كَجُذُوعِ. وَالَّذِي يَعْتَقِدُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ اسْمُهُ فِي عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَمَلَكُوتِهِ وَحُسْنَى أَسْمَائِهِ وَعَلِيِّ صِفَاتِهِ، لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَا يُشْبَّهُ بِهِ، وَإِنَّمَا جَاءَ مِمَّا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ عَلَى الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، فَلَا تَشَابُهَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى الحقيقي، إذ صفات القديم عز وجل بِخِلَافِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ، إِذْ صِفَاتُهُمْ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْأَغْرَاضِ وَالْأَعْرَاضِ، وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ لَمْ يَزَلْ بِأَسْمَائِهِ وَبِصِفَاتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي (الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى (، وَكَفَى فِي هَذَا قَوْلُهُ الْحَقُّ: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ". وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ: التَّوْحِيدُ إِثْبَاتُ ذَاتٍ غَيْرِ مُشْبِهَةٍ لِلذَّوَاتِ وَلَا مُعَطَّلَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ. وَزَادَ الْوَاسِطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيَانًا فَقَالَ: لَيْسَ كَذَاتِهِ ذَاتٌ، وَلَا كَاسْمِهِ اسْمٌ، وَلَا كَفِعْلِهِ فِعْلٌ، وَلَا كَصِفَتِهِ صِفَةٌ إِلَّا مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَةِ اللَّفْظِ، وَجَلَّتِ الذَّاتُ الْقَدِيمَةُ أَنْ يَكُونَ لَهَا صِفَةٌ حَدِيثَةٌ، كَمَا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ لِلذَّاتِ الْمُحْدَثَةِ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ والسنة والجماعة. رضي الله عنهم!
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب