الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ﴾ أَيْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا "فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا" عَنِ الِانْقِيَادِ لِلْأَنْبِيَاءِ "إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً" فِيمَا دَعَوْتُمُونَا إِلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ فِي الدُّنْيَا "فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ" أَيْ مُتَحَمِّلُونَ "عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ" أي جزاء مِنَ الْعَذَابِ. وَالتَّبَعُ يَكُونُ وَاحِدًا وَيَكُونُ جَمْعًا فِي قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ وَاحِدُهُ تَابِعٌ. وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: هُوَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ كَالْمَصْدَرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَعْ وَلَوْ جُمِعَ لَقِيلَ أَتْبَاعٌ. "قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها" أَيْ فِي جَهَنَّمَ. قَالَ الْأَخْفَشُ: "كُلٌّ" مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ. الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ "إِنَّا كُلًّا فِيهَا" بِالنَّصْبِ عَلَى النَّعْتِ وَالتَّأْكِيدِ لِلْمُضْمَرِ فِي "إِنَّا" وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَالْكُوفِيُّونَ يُسَمُّونَ التَّأْكِيدَ نَعْتًا. وَمَنَعَ ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: لِأَنَّ "كُلًّا" لَا تُنْعَتُ وَلَا يُنْعَتُ بِهَا. وَلَا يَجُوزُ الْبَدَلُ فِيهِ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُبْدَلُ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ مَعْنَاهُ الْمُبَرِّدُ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْدَلَ مِنَ الْمُضْمَرِ هُنَا، لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ وَلَا يُبْدَلُ مِنَ الْمُخَاطَبِ وَلَا مِنَ الْمُخَاطِبِ، لِأَنَّهُمَا لَا يُشْكِلَانِ فَيُبْدَلُ مِنْهُمَا، هَذَا نَصُّ كَلَامِهِ. "إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ" أَيْ لَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِذَنْبِ غَيْرِهِ، فَكُلٌّ مِنَّا كَافِرٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ﴾ مِنَ الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ اللَّذُونَ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ مُسَلَّمٌ مُعْرَبٌ، وَمَنْ قَالَ: "الَّذِينَ" فِي الرَّفْعِ بَنَاهُ كَمَا كَانَ فِي الْوَاحِدِ مَبْنِيًّا. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: ضُمَّتِ النُّونُ إِلَى الَّذِي فَأَشْبَهَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَبُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ. "لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ" خَزَنَةُ جَمْعُ خَازِنٍ وَيُقَالُ: خُزَّانٌ وَخُزَّنٌ. "ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ" "يُخَفِّفْ" جَوَابٌ مَجْزُومٌ وَإِنْ كَانَ بِالْفَاءِ كَانَ مَنْصُوبًا، إِلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ فَاءٍ وَعَلَى هَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ كما قال [[هو امرؤ القيس والبيت من معلقته، وتمامه: بسقط اللوى بين الدخول فحومل]]: قَفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: بَلَغَنِي أَوْ ذُكِرَ لِي أَنَّ أَهْلَ النَّارِ اسْتَغَاثُوا بِالْخَزَنَةِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ" فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب فردت عليهم "أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ" الْخَبَرَ بِطُولِهِ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ: يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ حَتَّى يَعْدِلَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ مِنْهُ فَيُغَاثُونَ بِالضَّرِيعِ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، فَيَأْكُلُونَهُ لا يغنى عنهم شيئا فستغيثون فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ فَيَغَصُّونَ بِهِ، فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يُجِيزُونَ الْغَصَصَ بِالْمَاءِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ فَيُرْفَعُ لَهُمُ الْحَمِيمُ بِالْكَلَالِيبِ، فَإِذَا دَنَا مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَاهَا، فَإِذَا وَقَعَ فِي بُطُونِهِمْ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ وَمَا فِي بُطُونِهِمْ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالْمَلَائِكَةِ يَقُولُونَ: "ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ" فَيُجِيبُوهُمْ "أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ" أَيْ خَسَارٍ وَتَبَارٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب