الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ، إِذْ كُلُّ مَا هُوَ آتِ قَرِيبٌ. وَأَزِفَ فُلَانٌ أَيْ قَرُبَ يَأْزَفُ أَزَفًا، قَالَ النَّابِغَةُ: أَزِفَ التَّرَحُّلُ غير أن ركابنا ... - لما تزبر حالنا وَكَأَنْ قَدِ أَيْ قَرُبَ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ﴾[[آية ٥٧ من سورة النجم.]] [النجم: ٥٧] أَيْ قَرُبَتِ السَّاعَةُ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَمَثَّلُ وَيَقُولُ: أَزِفَ الرَّحِيلُ وَلَيْسَ لِي مِنْ زَادِ غَيْرِ ... - الذُّنُوبِ لِشِقْوَتِي وَنَكَادِي "إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ" عَلَى الْحَالِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى إِذْ قُلُوبُ النَّاسِ "لَدَى الْحَناجِرِ" فِي حَالِ كَظْمِهِمْ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ "وَأَنْذِرْهُمْ" كَاظِمِينَ. وَأَجَازَ رَفْعَ "كَاظِمِينَ" عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِلْقُلُوبِ. وَقَالَ: الْمَعْنَى إِذْ هُمْ كَاظِمُونَ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: يَجُوزُ رَفْعُ "كَاظِمِينَ" عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِ "يَوْمَ الْآزِفَةِ" يَوْمَ حُضُورِ الْمَنِيَّةِ، قَالَهُ قُطْرُبٌ. وَكَذَا "إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ" عِنْدَ حُضُورِ الْمَنِيَّةِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَقَعَتْ فِي الحناجر الْمَخَافَةِ فَهِيَ لَا تَخْرُجُ وَلَا تَعُودُ فِي أَمْكِنَتِهَا، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ: "وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ". وَقِيلَ: هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ نِهَايَةِ الْجَزَعِ، كَمَا قَالَ: "وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ" وَأُضِيفَ الْيَوْمُ إِلَى "الْآزِفَةِ" عَلَى تَقْدِيرِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ "الْآزِفَةِ" أَوْ يَوْمُ الْمُجَادَلَةِ "الْآزِفَةِ". وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ هُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ مِثْلَ مَسْجِدِ الْجَامِعِ وَصَلَاةِ الْأُولَى. "مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ" أَيْ مِنْ قَرِيبٍ يَنْفَعُ "وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ" فَيَشْفَعُ فِيهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾ قَالَ الْمُؤَرِّجُ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيْ يَعْلَمُ الْأَعْيُنَ الْخَائِنَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ جَالِسًا مَعَ الْقَوْمِ فَتَمُرُّ الْمَرْأَةُ فَيُسَارِقُهُمُ النَّظَرَ إِلَيْهَا. وَعَنْهُ: هُوَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى الْمَرْأَةِ فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ غَضَّ بَصَرَهُ، فَإِذَا رَأَى مِنْهُمْ غَفْلَةً تَدَسَّسَ بِالنَّظَرِ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ غَضَّ بَصَرَهُ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ أَنَّهُ يَوَدُّ لَوْ نَظَرَ إِلَى عَوْرَتِهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ هِيَ مُسَارَقَةُ نَظَرِ الْأَعْيُنِ إِلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الْهَمْزَةُ بِعَيْنِهِ وَإِغْمَاضُهُ فِيمَا لَا يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ مَا رَأَيْتُ وَقَدْ رَأَى أَوْ رَأَيْتُ وَمَا رَأَى. وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّهَا الرَّمْزُ بِالْعَيْنِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: هِيَ النَّظْرَةُ بَعْدَ النَّظْرَةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: "خائِنَةَ الْأَعْيُنِ" النَّظْرَةُ الثَّانِيَةُ "وَما تُخْفِي الصُّدُورُ" النَّظْرَةُ الْأُولَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَما تُخْفِي الصُّدُورُ" أَيْ هَلْ يَزْنِي بِهَا لَوْ خَلَا بِهَا أَوْ لَا. وَقِيلَ: "وَما تُخْفِي الصُّدُورُ" تُكِنُّهُ وَتُضْمِرُهُ. ولما جئ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ [[عبد الله بن أبى سرح: كَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثم ارتد ولحق بالمشركين، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَتْلِهِ يَوْمَ فَتْحِ مكة. راجع قصته في ج ٧ ص ٤٠ طبعه أولى أو ثانيه.]] أَبِي سَرْحٍ إِلَى رَسُولِ الله لي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا اطْمَأَنَّ أَهْلُ مَكَّةَ وَطَلَبَ لَهُ الْأَمَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، صَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ: "نَعَمْ" فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَنْ حَوْلَهُ: "مَا صَمَتُّ إِلَّا لِيَقُومَ إِلَيْهِ بَعْضُكُمْ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ" فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَهَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ لَا تَكُونُ لَهُ خَائِنَةُ أَعْيُنٍ". "وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ" أَيْ يُجَازِي مَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا، وَمَنْ عَزَمَ عَلَى مُوَاقَعَةِ الْفَوَاحِشِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا. "وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ" يَعْنِي الْأَوْثَانَ "لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ" لِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ شَيْئًا وَلَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا تَمْلِكُ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ عَنِ الظَّالِمِينَ وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي حَاتِمٍ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَشَيْبَةُ وَهِشَامٌ: "تَدْعُونَ" بِالتَّاءِ. "إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" "هُوَ" زَائِدَةٌ فَاصِلَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهَا خَبَرٌ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا﴾ فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ عَطْفٌ عَلَى "يَسِيرُوا" وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ، وَالْجَزْمُ وَالنَّصْبُ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَاحِدٌ. "كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ" اسْمُ كَانَ وَالْخَبَرُ فِي "كَيْفَ". وَ "واقٍ" فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّفْظِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْمَوْضِعِ فَرَفْعُهُ وَخَفْضُهُ وَاحِدٌ، لِأَنَّ الْيَاءَ تُحْذَفُ وَتَبْقَى الْكَسْرَةُ دَالَّةً عَلَيْهَا وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي غير موضع [[راجع ج ٩ ص ٣٢٤ طبعه أولى أو ثانيه.]] فأغنى عن الإعادة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب