الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ. وَالتَّبْطِئَةُ وَالْإِبْطَاءُ التَّأَخُّرُ، تَقُولُ: مَا أَبْطَأَكَ عَنَّا، فَهُوَ لَازِمٌ. وَيَجُوزُ بَطَّأْتُ فُلَانًا عن كذا أي أخرته، فهو متعد. وَالْمَعْنَيَانِ مُرَادٌ فِي الْآيَةِ، فَكَانُوا يَقْعُدُونَ عَنِ الْخُرُوجِ وَيُقْعِدُونَ غَيْرَهُمْ. وَالْمَعْنَى أَنَّ مِنْ دُخَلَائِكُمْ وَجِنْسِكُمْ [[في ج: جيشكم.]] وَمِمَّنْ أَظْهَرَ إِيمَانَهُ لَكُمْ. فَالْمُنَافِقُونَ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ أَعْدَادِ الْمُسْلِمِينَ بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ. وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ (لَمَنْ) لَامُ توكيد، والثانية لام قسم، و (من) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَصِلَتُهَا (لَيُبَطِّئَنَّ) لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَالْخَبَرُ (مِنْكُمْ). وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالْكَلْبِيُّ (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) بِالتَّخْفِيفِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ اللَّهَ خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّ مِنْكُمْ) وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ بِقَوْلِهِ (وَما هُمْ مِنْكُمْ [[راجع ج ٨ ص ١٦٤.]]) وَهَذَا يَأْبَاهُ مَسَاقُ الْكَلَامِ وَظَاهِرُهُ. وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمْ فِي الْخِطَابِ مِنْ جِهَةِ الْجِنْسِ وَالنَّسَبِ كَمَا بَيَّنَّا لَا مِنْ جِهَةِ الْإِيمَانِ. هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) أَيْ قَتْلٌ وَهَزِيمَةٌ (قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ) يَعْنِي بِالْقُعُودِ، وَهَذَا لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ مُنَافِقٍ، لَا سِيَّمَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الْكَرِيمِ، بعيد أن يقول مُؤْمِنٌ. وَيَنْظُرُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ مَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِخْبَارًا عَنِ الْمُنَافِقِينَ (إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِمْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ ولو يعلمون ما فيهما لا توهما وَلَوْ حَبْوًا) الْحَدِيثَ. فِي رِوَايَةٍ (وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا لَشَهِدَهَا) يَعْنِي صلاة العشاء. يقول: لو لاح شي مِنَ الدُّنْيَا يَأْخُذُونَهُ وَكَانُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْهُ لَبَادَرُوا إِلَيْهِ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ) أَيْ غَنِيمَةٌ وَفَتْحٌ (لَيَقُولَنَّ) هَذَا الْمُنَافِقُ قَوْلَ نَادِمٍ حَاسِدٍ (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ [[قرأ نافع بالياء وهى ما في الأصول.]] بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) فَالْكَلَامُ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ. وقيل: المعنى (لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) أَيْ كَأَنْ لَمْ يُعَاقِدْكُمْ عَلَى الْجِهَادِ. وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ لَيَقُولُنَّ) بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى مَعْنَى (مَنْ)، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) لَيْسَ يَعْنِي رَجُلًا بِعَيْنِهِ. وَمَنْ فَتَحَ اللَّامَ أَعَادَ فَوَحَّدَ الضَّمِيرَ عَلَى لَفْظِ (مَنْ). وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ) بِالتَّاءِ عَلَى لَفْظِ الْمَوَدَّةِ. وَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ [[قرأ نافع بالياء وهى ما في الأصول.]] جَعَلَ مَوَدَّةً بِمَعْنَى الْوُدِّ. وَقَوْلُ الْمُنَافِقِ (يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ) عَلَى وَجْهِ الْحَسَدِ أَوِ الْأَسَفِ عَلَى فَوْتِ الْغَنِيمَةِ مَعَ الشَّكِّ فِي الْجَزَاءِ مِنَ اللَّهِ. (فَأَفُوزَ) جَوَابُ التَّمَنِّي وَلِذَلِكَ نُصِبَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ (فَأَفُوزُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ تَمَنَّى الْفَوْزَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا لَيْتَنِي أَفُوزُ فَوْزًا عَظِيمًا. وَالنَّصْبُ عَلَى الْجَوَابِ، وَالْمَعْنَى إِنْ أَكُنْ مَعَهُمْ أَفُزْ. وَالنَّصْبُ فِيهِ بِإِضْمَارِ (أَنْ) لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ، التَّقْدِيرُ يَا لَيْتَنِي كان لي حضور ففوز.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب