الباحث القرآني

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ، كَذَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ وَالنَّبِيُّ ﷺ مُتَجَهِّزٌ لِحَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَنَزَلَتْ بِسَبَبِ جابر، قال جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ: مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ يَعُودَانِي مَاشِيَيْنِ، فَأُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ] رَسُولُ [[من ك.]] اللَّهِ ﷺ [ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِيَ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨١] [[راجع ج ٣ ص ٣٧٥.]] وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَمَضَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ الْكَلَامُ فِي "الْكَلالَةِ" مُسْتَوْفًى، [[راجع ج ٥ ص ٧٦ وما بعدها.]] وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِخْوَةِ هُنَا الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ] أَوْ لِلْأَبِ [[[من ج وز وك.]] وَكَانَ لِجَابِرٍ تسع أخوات. الثانية- قوله تَعَالَى: "إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ" أَيْ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا، قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: لَفْظُ الْوَلَدِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَالِدِ وَالْمَوْلُودِ، فَالْوَالِدُ يُسَمَّى، وَالِدًا لِأَنَّهُ وَلَدَ، وَالْمَوْلُودُ يُسَمَّى وَلَدًا لِأَنَّهُ وُلِدَ، كَالذُّرِّيَّةِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَرَا ثُمَّ تُطْلَقُ عَلَى الْمَوْلُودِ وَعَلَى الْوَالِدِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ" [[راجع ج ١٥ ص ٣٤]]] يس: ٤١]. الثَّالِثَةُ- وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ يَجْعَلُونَ الْأَخَوَاتِ عَصَبَةَ الْبَنَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ أَخٌ، غَيْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَجْعَلُ الْأَخَوَاتِ عَصَبَةَ الْبَنَاتِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُدُ وَطَائِفَةٌ، وَحُجَّتُهُمْ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: "إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَكَ" وَلَمْ يُوَرِّثِ الْأُخْتَ إِلَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ، قَالُوا: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِابْنَةَ مِنَ الْوَلَدِ، فَوَجَبَ أَلَّا تَرِثَ الْأُخْتُ مَعَ وُجُودِهَا. وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى أَخْبَرَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ: أَنَّ مُعَاذًا قَضَى فِي بِنْتٍ وَأُخْتٍ فَجَعَلَ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. الرَّابِعَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ تُسَمَّى بِآيَةِ الصَّيْفِ، لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ، قَالَ عُمَرُ: إِنِّي وَاللَّهِ لَا أَدَّعِ شَيْئًا أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ أَمْرِ الْكَلَالَةِ، وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ [عَنْهَا] [[من ك.]] فَمَا أغلظ لي في شي مَا أَغْلَظَ لِي فِيهَا، حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي جَنْبِي أَوْ فِي صَدْرِي ثُمَّ قَالَ: (يَا عُمَرُ أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ). وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ثَلَاثٌ لَأَنْ يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيَّنَهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: الْكَلَالَةُ وَالرِّبَا وَالْخِلَافَةُ، خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ. الْخَامِسَةُ- طَعَنَ بَعْضُ الرَّافِضَةِ بِقَوْلِ عُمَرَ: (وَاللَّهِ لَا أَدَّعِ) الْحَدِيثَ. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْمَعْنَى يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ لِئَلَّا تَضِلُّوا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، فَحَدَّثْتُ الْكِسَائِيَّ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى وَلَدِهِ أَنْ يُوَافِقَ مِنَ اللَّهِ إِجَابَةً) فَاسْتَحْسَنَهُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْمَعْنَى عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ لِئَلَّا يُوَافِقَ مِنَ اللَّهِ إِجَابَةً، وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ خَطَأٌ [صُرَاحٌ] [[من ك.]]، [لِأَنَّهُمْ] [[الزيادة عن (إعراب القرآن) للنحاس.]] لَا يُجِيزُونَ إِضْمَارَ لَا، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُمْ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا، ثُمَّ حذف، كما قال: "وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ" [[راجع ج ٩ ص ٢٤٥.]]] يوسف: ٨٢] وَكَذَا مَعْنَى حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ، أَيْ كَرَاهِيَةً أَنْ يُوَافِقَ مِنَ اللَّهِ إِجَابَةً. (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَمَّتْ سُورَةُ "النِّسَاءِ" والحمد لله الذي وفق.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب