الباحث القرآني

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا﴾ قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا بَدَلٌ مِنْ "فَبِما نَقْضِهِمْ". وَالطَّيِّبَاتُ مَا نَصَّهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ [الانعام: ١٤٦] [[راجع ج ٧ ص ١٢٤.]]. وَقَدَّمَ الظُّلْمَ عَلَى التَّحْرِيمِ إِذْ هُوَ الْغَرَضُ الَّذِي قَصَدَ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَنَّهُ سَبَبُ التَّحْرِيمِ. (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ وَبِصَدِّهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَغَيْرَهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ ﷺ. (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) كُلُّهُ تَفْسِيرٌ لِلظُّلْمِ الَّذِي تَعَاطَوْهُ، وَكَذَلِكَ مَا قَبْلَهُ مِنْ نَقْضِهِمُ الْمِيثَاقَ وَمَا بَعْدَهُ، وَقَدْ مَضَى فِي "آلِ عِمْرَانَ" [[راجع ج ٤ ص ١٣٤ وما بعدها.]] أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي سَبَبِ التَّحْرِيمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ هَذَا أَحَدُهَا. الثَّانِيةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ قَدْ نُهُوا عَنِ الرِّبَا وَأَكْلِ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا عَمَّا نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي الْقُرْآنِ وَأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْخِطَابِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى فِي التَّوْرَاةِ، وَأَنَّهُمْ بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا وَعَصَوْا وَخَالَفُوا فَهَلْ يَجُوزُ لَنَا مُعَامَلَتُهُمْ وَالْقَوْمُ قَدْ أَفْسَدُوا أَمْوَالَهُمْ فِي دِينِهِمْ أَمْ لَا؟ فَظَنَّتْ طَائِفَةٌ أَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ لَا تَجُوزُ، وَذَلِكَ لِمَا فِي أَمْوَالِهِمْ مِنْ هَذَا الْفَسَادِ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُ مُعَامَلَتِهِمْ مَعَ رِبَاهُمْ وَاقْتِحَامِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى ذَلِكَ قُرْآنًا وَسُنَّةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٥] [[راجع ص ٧٥ من هذا الجزء.]] وَهَذَا نَصٌّ، وَقَدْ عَامَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْيَهُودَ وَمَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فِي شَعِيرٍ أَخَذَهُ لِعِيَالِهِ [[يلاحظ هذا على شهرته، مع ما صح أنه ﷺ أمر بتفريق سبعة دنانير كانت له عند عائشة رضى الله عنها وهو في حال الاحتضار. راجع نهاية الارب ج ١٨ ص ٣٨٠.]]. وَالْحَاسِمُ لِدَاءِ الشَّكِّ وَالْخِلَافِ اتِّفَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ التِّجَارَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْهِمْ تَاجِرًا، وَذَلِكَ مِنْ سَفَرِهِ أَمْرٌ قَاطِعٌ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ إِلَيْهِمْ وَالتِّجَارَةِ مَعَهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، قُلْنَا: إِنَّهُ لَمْ يَتَدَنَّسْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِحَرَامٍ- ثَبَتَ ذَلِكَ تَوَاتُرًا- وَلَا اعْتَذَرَ عَنْهُ إِذْ بُعِثَ، وَلَا مَنَعَ مِنْهُ إِذْ نُبِّئَ، وَلَا قَطَعَهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حَيَاتِهِ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَقَدْ كَانُوا يُسَافِرُونَ فِي فَكِّ الْأَسْرَى وَذَلِكَ وَاجِبٌ، وَفِي الصُّلْحِ كَمَا أَرْسَلَ عُثْمَانُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ يَجِبُ وَقَدْ يَكُونُ نَدْبًا، فَأَمَّا السَّفَرُ إِلَيْهِمْ لمجرد التجارة فمباح.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب