الباحث القرآني

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الاولى- قال العلماء: هاتان الآيتان نزلنا بِسَبَبِ ابْنِ أُبَيْرِقٍ السَّارِقِ، لَمَّا حَكَمَ النَّبِيُّ ﷺ [عَلَيْهِ] بِالْقَطْعِ وَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ وَارْتَدَّ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمَّا صَارَ إِلَى مَكَّةَ نَقَبَ بَيْتًا بِمَكَّةَ فَلَحِقَهُ الْمُشْرِكُونَ فَقَتَلُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) إِلَى قَوْلِهِ: (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً). وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْمَدِينَةَ وَأَسْلَمُوا ثُمَّ انْقَلَبُوا إِلَى مَكَّةَ مُرْتَدِّينَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ). وَالْمُشَاقَّةُ الْمُعَادَاةُ. وَالْآيَةُ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي سَارِقِ الدِّرْعِ أَوْ غَيْرِهِ فَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ خَالَفَ طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ. و (الْهُدى): الرُّشْدُ وَالْبَيَانُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ [[راجع ج ١ ص ١٦٠]]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى﴾ يُقَالُ: إِنَّهُ نَزَلَ فِيمَنِ ارْتَدَّ، وَالْمَعْنَى: نَتْرُكُهُ وَمَا يَعْبُدُ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْ نَكِلُهُ إِلَى الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَقَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ، نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى﴾ فِي ابْنِ أُبَيْرِقٍ، لَمَّا ظَهَرَتْ حَالُهُ وَسَرِقَتُهُ هَرَبَ إِلَى مَكَّةَ وَارْتَدَّ وَنَقَبَ حَائِطًا لِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهُ: حَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ، فَسَقَطَ فَبَقِيَ فِي النَّقْبِ حَتَّى وُجِدَ عَلَى حَالِهِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ مَكَّةَ، فَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَسَرَقَ بَعْضَ أَمْوَالِ الْقَافِلَةِ فَرَجَمُوهُ وَقَتَلُوهُ، فَنَزَلَتْ: (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً). وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَأَبُو عَمْرٍو (نُوَلِّهِ) (وَنُصْلِهِ) بِجَزْمِ الْهَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ. الثَّانِيةُ- قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ القول بالإجماع، في قوله تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) رَدٌّ عَلَى الْخَوَارِجِ، حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ كَافِرٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هَذِهِ الآية: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [قَالَ]: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. قَالَ ابْنُ فُورَكَ: وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تَخْلِيدَ إِلَّا لِلْكَافِرِ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِذَا مَاتَ غَيْرَ تَائِبٍ فَإِنَّهُ إِنْ عُذِّبَ بِالنَّارِ فَلَا مَحَالَةَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ الرَّسُولِ، أَوْ بِابْتِدَاءِ رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّ شَيْخًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي شَيْخٌ مُنْهَمِكٌ فِي الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، إِلَّا أَنِّي لَمْ أُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا مُنْذُ عَرَفْتُهُ وَآمَنْتُ بِهِ، فَمَا حَالِي عِنْدَ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) الآية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب