الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ﴾ حُذِفَتِ الْيَاءُ مِنْ "كَافٍ" لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ التَّنْوِينِ بَعْدَهَا، وَكَانَ الْأَصْلُ أَلَّا تُحْذَفَ فِي الْوَقْفِ لِزَوَالِ التَّنْوِينِ، إِلَّا أَنَّهَا حُذِفَتْ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الْوَصْلِ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُثْبِتُهَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَصْلِ فَيَقُولُ: كَافِي. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ "عَبْدَهُ" بِالتَّوْحِيدِ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ يَكْفِيهِ اللَّهُ وَعِيدَ الْمُشْرِكِينَ وَكَيْدَهُمْ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ "عِبَادَهُ" وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ أَوِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ بهم. واختار أبو عبيد قِرَاءَةَ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ عَقِيبَهُ: "وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ". وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لَفْظَ الْجِنْسِ، كَقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢] وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْقِرَاءَةُ الْأُولَى رَاجِعَةً إِلَى الثَّانِيَةِ. وَالْكِفَايَةُ شَرُّ الْأَصْنَامِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُخَوِّفُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَصْنَامِ، حَتَّى قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. ﴿وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ﴾ [الأنعام: ٨١]. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: إِنَّ اللَّهَ كَافٍ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ وعبده الكافر، هذا بالثواب وهذا بالعقاب. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَوَّفُوا النَّبِيَّ ﷺ مَضَرَّةَ الْأَوْثَانِ، فَقَالُوا: أَتَسُبُّ آلِهَتَنَا؟ لَئِنْ لَمْ تَكُفَّ عَنْ ذِكْرِهَا لَتُخَبِّلَنَّكَ أَوْ تُصِيبَنَّكَ بِسُوءٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَشَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى لِيَكْسِرَهَا بِالْفَأْسِ. فَقَالَ لَهُ سَادِنُهَا: أُحَذِّرُكَهَا يَا خَالِدُ فَإِنَّ لَهَا شِدَّةً لَا يَقُومُ لها شي، فَعَمَدَ خَالِدٌ إِلَى الْعُزَّى فَهَشَّمَ أَنْفَهَا حَتَّى كَسَرَهَا بِالْفَأْسِ. وَتَخْوِيفُهُمْ لِخَالِدٍ تَخْوِيفٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، لِأَنَّهُ الَّذِي وَجَّهَ خَالِدًا. وَيَدْخُلُ فِي الْآيَةِ تَخْوِيفُهُمُ النَّبِيَّ ﷺ بِكَثْرَةِ جَمْعِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، كَمَا قَالَ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ﴾ [القمر: ٤٤] "وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ" تَقَدَّمَ. "وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ" أَيْ ممن عاداه أو عادى رسله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب