الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ﴾ مَضَى ذِكْرُ الْيَسَعَ فِي "الْأَنْعَامِ" [[راجع ج ٧ ص ٣٣ طبعه أولى أو ثانية.]] وَذِكْرُ ذِي الْكِفْلِ فِي "الْأَنْبِيَاءِ." [[راجع ج ١١ ص ٣٢٧ طبعه أولى أو ثانية.]] "وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ" أَيْ مِمَّنِ اخْتِيرَ لِلنُّبُوَّةِ. "هَذَا ذِكْرٌ" بِمَعْنَى هَذَا ذِكْرٌ جَمِيلٌ فِي الدُّنْيَا وَشَرَفٌ يَذْكُرُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَبَدًا. "وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ" أَيْ لَهُمْ مَعَ هَذَا الذِّكْرِ الْجَمِيلِ فِي الدُّنْيَا حُسْنُ الْمَرْجِعِ فِي الْقِيَامَةِ. ثُمَّ بَيَّنَ ذلك بقوله تَعَالَى: "جَنَّاتِ عَدْنٍ" وَالْعَدْنُ فِي اللُّغَةِ الْإِقَامَةُ، يُقَالُ: عَدَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ. وَقَالَ عَبْدُ الله ابن عُمَرَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا [[تقدمت هذه الرواية في ج ٩ ص ٣١١ بهذا اللفظ وهى توافق ما في تفسير الطبري وغيره عن عبد الله بن عمرو، ولفظ الأصل هنا "جنة عدن قصر في الجنة" إلخ.]] يُقَالُ لَهُ عَدْنٌ حَوْلَهُ الْبُرُوجُ وَالْمُرُوجُ فِيهِ خَمْسَةُ آلَافِ بَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ خَمْسَةُ آلَافِ حِبَرَةٍ [[الحبرة "بكسر الحاء المهملة وفتحها" ضرب من البرود اليمنية مخطط.]] لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ. "مُفَتَّحَةً" حَالٌ "لَهُمُ الْأَبْوابُ" رُفِعَتِ الْأَبْوَابُ لِأَنَّهُ اسْمُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ مُفَتَّحَةٌ لَهُمُ الْأَبْوَابُ مِنْهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مُفَتَّحَةٌ لَهُمْ أَبْوَابُهَا. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ: "مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ" بِالنَّصْبِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ مُفَتَّحَةُ الْأَبْوَابِ ثُمَّ جِئْتَ بِالتَّنْوِينِ فَنُصِبَتْ. وَأَنْشَدَ هُوَ وسيبويه: ونأخذ بعده بذناب عيش ... واجب الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ [[البيت للنابغة والشاهد فيه نصب الظهر بأجب على نية التنوين، وقد وصف مرض النعمان بن المنذر وأنه إن هلك صار الناس في أسوإ حال وأضيق عيش، وتمسكوا منه بمثل ذنب بعير أجب وهو الذي لا سنام له من الهزال.]] وَإِنَّمَا قَالَ: "مُفَتَّحَةً" وَلَمْ يَقُلْ مَفْتُوحَةً، لِأَنَّهَا تُفْتَحُ لَهُمْ بِالْأَمْرِ لا بالمس. قال الحسن: تكلم: انفتحي فتنفح انْغَلِقِي فَتَنْغَلِقُ. وَقِيلَ: تَفْتَحُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْأَبْوَابَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيها﴾ هُوَ حَالٌ قُدِّمَتْ عَلَى الْعَامِلِ فِيهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: "يَدْعُونَ فِيها" أَيْ يَدْعُونَ فِي الْجَنَّاتِ مُتَّكِئِينَ فِيهَا. "بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ" أَيْ بِأَلْوَانِ الْفَوَاكِهِ "وَشَرابٍ" أَيْ وَشَرَابٌ كَثِيرٌ فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ﴾ أَيْ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يَنْظُرْنَ إِلَى غَيْرِهِمْ وَقَدْ مَضَى فِي "الصَّافَاتِ." [[راجع ص ٨٠ من هذا الجزة.]] "أَتْرابٌ" أَيْ عَلَى سِنٍّ وَاحِدٍ، وَمِيلَادُ امْرَأَةٍ واحدة، وقد تَسَاوَيْنَ فِي الْحُسْنِ وَالشَّبَابِ، بَنَاتُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْآدَمِيَّاتِ. وَ "أَتْرابٌ" جَمْعُ تِرْبٍ وَهُوَ نَعْتٌ لِقَاصِرَاتٍ، لِأَنَّ "قاصِراتُ" نَكِرَةٌ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَعْرِفَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ يَدْخُلَانِهِ كما قال: من القاصرات الطرف لو دب محول ... ومن الذَّرِّ فَوْقَ الْإِتْبِ مِنْهَا لَأَثَّرَا [[قائله امرؤ القيس. المحول: الصغير. والإتب: درع المرأة. وبرده تشق فتلبس من غير كمين ولا جبب.]] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ﴾ أَيْ هَذَا الْجَزَاءُ الَّذِي وُعِدْتُمْ بِهِ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالتَّاءِ أَيْ مَا تُوعَدُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ السُّلَمِيِّ وَاخْتِيَارِ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي حَاتِمٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ" فَهُوَ خَبَرٌ. "لِيَوْمِ الْحِسابِ" أَيْ فِي يَوْمِ الْحِسَابِ، قَالَ الْأَعْشَى: الْمُهِينِينَ مَا لهم لزمان ... والسوء حَتَّى إِذَا أَفَاقَ أَفَاقُوا أَيْ فِي زَمَانِ السُّوءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفادٍ﴾ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ دَائِمٌ لَا يَنْقَطِعُ، كَمَا قَالَ: ﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] وقال: "فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ﴿ مَمْنُونٍ.﴾ [التين: ٦].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب