الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً﴾ "يَنْظُرُ" بِمَعْنَى يَنْتَظِرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ [الحديد: ١٣]. "هؤُلاءِ" يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ. "إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً" أَيْ نَفْخَةُ الْقِيَامَةِ أَيْ مَا يَنْتَظِرُونَ بَعْدَ مَا أُصِيبُوا بِبَدْرٍ إِلَّا صَيْحَةَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: مَا يَنْتَظِرُ أَحْيَاؤُهُمُ الْآنَ إِلَّا الصَّيْحَةَ الَّتِي هِيَ النَّفْخَةُ فِي الصُّوَرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ. فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ [يس: ٥٠ - ٤٩] وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ قُرْبِ الْقِيَامَةِ وَالْمَوْتِ. وَقِيلَ: أَيْ مَا يَنْتَظِرُ كُفَّارُ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُتَدَيِّنِينَ بِدِينِ أُولَئِكَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً وَهِيَ النَّفْخَةُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لَمْ تَكُنْ صَيْحَةٌ فِي السَّمَاءِ إِلَّا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. "مَا لَها مِنْ فَواقٍ" أَيْ مِنْ تَرْدَادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. مُجَاهِدٌ: مَا لَهَا رُجُوعٌ. قَتَادَةُ: ما لها من مثنوية. السدي: مالها مِنْ إِفَاقَةٍ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ "مَا لَهَا مِنْ فُوَاقٍ" بِضَمِّ الْفَاءِ. الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ. الْجَوْهَرِيُّ: وَالْفَوَاقُ وَالْفُوَاقُ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ مِنَ الْوَقْتِ، لِأَنَّهَا تُحْلَبُ ثُمَّ تُتْرَكُ سُوَيْعَةً يَرْضَعُهَا الْفَصِيلُ لِتُدِرَّ ثُمَّ تُحْلَبُ. يُقَالُ: مَا أَقَامَ عِنْدَهُ إِلَّا فَوَاقًا، وَفِي الْحَدِيثِ: "الْعِيَادَةُ قَدْرُ فَوَاقِ الناقة. وقول تَعَالَى:" مَا لَها مِنْ فَواقٍ" يُقْرَأُ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ أَيْ مَا لَهَا مِنْ نَظْرَةٍ وَرَاحَةٍ وَإِفَاقَةٍ. وَالْفِيقَةُ بِالْكَسْرِ اسْمُ اللَّبَنِ الَّذِي يَجْتَمِعُ بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ: صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا، قَالَ الْأَعْشَى يَصِفُ بَقَرَةً حَتَّى إِذَا فيقة في ضرعها اجتمعت ... وجاءت لِتُرْضِعَ شِقَّ النَّفْسِ لَوْ رَضَعَا وَالْجَمْعُ فِيَقٌ ثُمَّ أَفْوَاقٌ مِثْلَ شِبَرٌ وَأَشْبَارٌ ثُمَّ أَفَاوِيقُ. قَالَ ابْنُ هَمَّامٍ السَّلُولِيُّ: وَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وهم يرضعونها ... وأفاويق حَتَّى مَا يُدِرُّ لَهَا ثُعْلُ [[البيت في ذم علماء الدنيا. والقعل زيادة في أطباء الناقة والبقرة والشاة، وهو لا يدر وانما ذكره للمبالغة.]] وَالْأَفَاوِيقُ أَيْضًا مَا اجْتَمَعَ فِي السَّحَابِ مِنْ مَاءٍ، فَهُوَ يُمْطِرُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ. وَأَفَاقَتِ النَّاقَةُ إِفَاقَةً أَيِ اجْتَمَعَتِ الْفِيقَةُ فِي ضَرْعِهَا، فَهِيَ مُفِيقٌ ومفيقة- عن أبي عمرووالجمع مَفَاوِيقُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمَا: "مِنْ فَواقٍ" بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ رَاحَةٌ لَا يُفِيقُونَ فِيهَا، كَمَا يُفِيقُ الْمَرِيضُ وَالْمَغْشِيُّ عَلَيْهِ. وَ "مِنْ فُوَاقٍ" بِضَمِّ الْفَاءِ مِنَ انْتِظَارٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ. قُلْتُ: وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ أَنَّهَا مُمْتَدَّةٌ لَا تَقْطِيعَ فِيهَا. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، الْحَدِيثَ. وَفِيهِ، "يَأْمُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى فَيَقُولُ انْفُخْ نفخة الفزع أهل السموات وَأَهْلُ الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَأْمُرُهُ فَيَمُدُّهَا وَيُدِيمُهَا وَيُطَوِّلُهَا يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" مَا يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً مَا لَها مِنْ فَواقٍ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، خَرَّجَهُ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ وَغَيْرُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: عَذَابَنَا. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ: نَصِيبَنَا مِنَ الْعَذَابِ. الْحَسَنُ: نَصِيبَنَا مِنَ الْجَنَّةِ لِنَتَنَعَّمَ بِهِ فِي الدُّنْيَا. وقاله سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَمَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ أَنْ يُقَالَ لِلنَّصِيبِ قِطٌّ وَلِلْكِتَابِ الْمَكْتُوبِ بِالْجَائِزَةِ قِطٌّ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْقِطُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّكِّ قِطٌّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ: الْقِطُّ الْكِتَابُ بِالْجَوَائِزِ وَالْجَمْعُ الْقُطُوطُ، قَالَ الْأَعْشَى وَلَا الْمَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمَ لَقِيتُهُ ... وبغبطته يُعْطِي الْقُطُوطَ وَيَأْفِقُ يَعْنِي كُتُبَ الْجَوَائِزِ. وَيُرْوَى: بأمته بدل بغبطته، أي بنعمته وحال الْجَلِيلَةِ، وَيَأْفِقُ يُصْلِحُ. وَيُقَالُ: فِي جَمْعِ قِطٍّ أَيْضًا قِطَطَةٌ وَفِي الْقَلِيلِ أُقُطٌ وَأَقْطَاطٌ. ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: سَأَلُوا أَنْ يُمَثِّلَ لَهُمْ مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ لِيَعْلَمُوا حَقِيقَةَ مَا يُوعَدُونَ بِهِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: الْمَعْنَى عَجِّلْ لَنَا أَرْزَاقَنَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَجِّلْ لَنَا مَا يَكْفِينَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَطْنِي، أَيْ يَكْفِينِي. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ اسْتِعْجَالًا لِكُتُبِهِمُ الَّتِي يعطونها بأيمانهم ومائلهم حين تلى عليهم بذلك القرآن. وهو قول تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الحاقة: ١٩]. ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ﴾ [الانشقاق: ١٠]. وَأَصْلُ الْقِطِّ الْقَطُّ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَمِنْهُ قَطَّ الْقَلَمَ، فَالْقَطُّ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنَ الشَّيْءِ كَالْقَسْمِ والقس فَأُطْلِقَ عَلَى النَّصِيبِ وَالْكِتَابِ وَالرِّزْقِ لِقَطْعِهِ عَنْ غَيْرِهِ، إِلَّا أَنَّهُ فِي الْكِتَابِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَأَقْوَى حَقِيقَةً. قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ قوم لهم ساحة العراق وما ... ويجبى إلى يه والقط والقلم "قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ" أَيْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي الدُّنْيَا إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ محمد. وكل هذا استهزاء منهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب