الباحث القرآني

فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿سُبْحانَ رَبِّكَ﴾ نَزَّهَ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ عَمَّا أَضَافَ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ. "رَبِّ الْعِزَّةِ" عَلَى الْبَدَلِ. وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَدْحِ، وَالرَّفْعُ بِمَعْنَى هُوَ رَبِّ الْعِزَّةِ. "عَمَّا يَصِفُونَ" أَيْ مِنَ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ. وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ مَعْنَى "سُبْحَانَ اللَّهِ" فَقَالَ: "هُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْ كُلِّ سُوءٍ" وَقَدْ مَضَى فِي "الْبَقَرَةِ" [[راجع ج ١ ص ٢٧٦ و٨٥ ٢ وما بعدها طبعه ثانية أو ثالثة وج ٢ ص ٧٦ وما بعدها طبعه ثانية.]] مُسْتَوْفًى. الثَّانِيَةُ- سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونَ عَنْ مَعْنَى "رَبِّ الْعِزَّةِ" لِمَ جَازَ ذَلِكَ وَالْعِزَّةُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَلَا يُقَالُ رَبُّ الْقُدْرَةِ وَنَحْوَهَا من صفات ذاته جل وعز؟ فال: العزة تكون صِفَةَ ذَاتٍ وَصِفَةَ فِعْلٍ، فَصِفَةُ الذَّاتِ نَحْوَ قَوْلِهِ: "فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً" وَصِفَةُ الْفِعْلِ نَحْوَ قَوْلِهِ: "رَبِّ الْعِزَّةِ" وَالْمَعْنَى رَبُّ الْعِزَّةِ الَّتِي يَتَعَازُّ بِهَا الْخَلْقُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَهِيَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: وَقَدْ جَاءَ في التفسير إن العزة ها هنا يُرَادُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: مَنْ حَلَفَ بِعِزَّةِ اللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ عِزَّتَهُ الَّتِي هِيَ صِفَتُهُ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ أَرَادَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. الْمَاوَرْدِيُّ: "رَبِّ الْعِزَّةِ" يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أحدهما مالك العزة، والثاني رب كل شي مُتَعَزِّزٍ مِنْ مَلِكٍ أَوْ مُتَجَبِّرٍ. قُلْتُ: وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَلَا كَفَّارَةَ إِذَا نَوَاهَا الْحَالِفُ. الثَّالِثَةُ- رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ: "سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ" إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. قُلْتُ: قرأت عل الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُحَدِّثِ الْحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بن محمد بن محمد بن محمد ابن عَمْرُوكٍ الْبَكْرِيٍّ بِالْجَزِيرَةِ قُبَالَةَ الْمَنْصُورَةِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، قَالَ أَخْبَرَتْنَا الْحُرَّةُ أُمُّ الْمُؤَيِّدِ زَيْنَبُ بنت عبد الرحمن بن الحسن الشعرى بنيشابور فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ ابن أبى بكر القاري، قال حدثنا أبو الحسن عبد الغافر بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ بشر بن أحد الاسفراينى، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ يَحْيَى بْنُ يحيى عبد الرحمن التميمي النيشابوري، قال حدثنا هشيم عن أبى هرون الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ يَقُولُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَوْ حِينَ يَنْصَرِفُ "سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ". قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: رَوَى الشَّعْبِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى مِنَ الْأَجْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَقُلْ آخِرَ مَجْلِسِهِ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ" سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ". ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ أَيِ الَّذِينَ بَلَّغُوا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْحِيدَ وَالرِّسَالَةَ. وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِذَا سَلَّمْتُمْ عَلَيَّ فَسَلِّمُوا عَلَى الْمُرْسَلِينَ فَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَقِيلَ: مَعْنَى" وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ "أَيْ أَمْنٌ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ." وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ "أَيْ عَلَى إِرْسَالِ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. وَقِيلَ: أَيْ عَلَى جَمِيعِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ. وَقِيلَ: أَيْ عَلَى هَلَاكِ الْمُشْرِكِينَ، دَلِيلُهُ:﴿ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.﴾ [الأنعام: ٤٥]. قُلْتُ: وَالْكُلُّ مُرَادٌ وَالْحَمْدُ يَعُمُّ. وَمَعْنَى "يَصِفُونَ" يَكْذِبُونَ، وَالتَّقْدِيرُ عَمَّا يَصِفُونَ مِنَ الْكَذِبِ. تَمَّ تفسير سورة الصافات.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب