الباحث القرآني

هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْكَارًا مِنْهُمْ عِبَادَةَ مَنْ عَبَدَهُمْ. "وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ" قَالَ مُقَاتِلٌ: هَذِهِ الثَّلَاثُ الْآيَاتِ نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَتَأَخَّرَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَهُنَا تُفَارِقُنِي" فَقَالَ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَقَدَّمَ عَنْ مَكَانِي. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ: "وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ" الْآيَاتِ. وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ: وَمَا مِنَّا إِلَّا مَنْ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ. فَحُذِفَ الْمَوْصُولُ. وَتَقْدِيرُهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ: وَمَا مِنَّا مَلَكٌ إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ، أَيْ مَكَانٌ مَعْلُومٌ فِي الْعِبَادَةِ، قال ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي سبح. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "مَا فِي السَّمَاءِ مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ". وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ" خَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ حَدِيثٌ "حَسَنٌ" [[الزيادة من صحيح الترمذي.]] غَرِيبٌ. وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ يُصَلِّي الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ". قَالَ: فَتَقَدَّمَ الرِّجَالُ وَتَأَخَّرَ النِّسَاءُ. "وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ" قَالَ الْكَلْبِيُّ: صُفُوفُهُمْ كَصُفُوفِ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي الْأَرْضِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: "أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا" فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ؟ "يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ" وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ إِذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَاسْتَوُوا إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ هَدْيَ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ رَبِّهَا وَيَقْرَأُ: "وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ" تَأَخَّرْ يَا فُلَانُ تَقَدَّمْ يَا فُلَانُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُكَبِّرُ. وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ [الْحِجْرِ [[راجع ج ١٠ ص ١٩ وما تعدها طبعه أولى أو ثانية.]]] بَيَانُهُ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مُتَبَدِّدِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ" فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَصْطَفُّوا. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ. جَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ مَلَكٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ، إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتُصَلِّي وَتُسَبِّحُ مَا فِي السَّمَاءِ مَلَكٌ فَارِغٌ. وَقِيلَ: أَيْ لَنَحْنُ الصَّافُّونَ أَجْنِحَتَنَا فِي الْهَوَاءِ وُقُوفًا نَنْتَظِرُ مَا نُؤْمَرُ بِهِ. وَقِيلَ: أَيْ نَحْنُ الصَّافُّونَ حَوْلَ الْعَرْشِ. "وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ" أي المصلون، قال قتاد ة: وَقِيلَ: أَيِ الْمُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَمَّا أَضَافَهُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُخْبِرُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ بِالتَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةِ وَلَيْسُوا مَعْبُودِينَ وَلَا بَنَاتِ اللَّهِ. وَقِيلَ: "وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ" مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ والمؤمنين المشركين، أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي الْآخِرَةِ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَهُوَ مَقَامُ الْحِسَابِ. وَقِيلَ: أَيْ مِنَّا مَنْ لَهُ مَقَامُ الْخَوْفِ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ مَقَامُ الرَّجَاءِ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ مَقَامُ الإخلاص، ومنا من قه مَقَامُ الشُّكْرِ. إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْمَقَامَاتِ. قُلْتُ: والأضهر أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ "وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ" وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب