الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِلْيَاسُ نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِسْرَائِيلُ هُوَ يَعْقُوبُ وَإِلْيَاسُ هُوَ إِدْرِيسُ. وَقَرَأَ: "وَإِنَّ إِدْرِيسَ وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ. وَقَالَ: هُوَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ:" وَإِنَّ إِدْرِيسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" وَانْفَرَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عَمُّ الْيَسَعَ [[قال بعض المفسرين هو ابن عم اليسع.]]. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: كَانَ الْقَيِّمُ بِأَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ يُوشَعَ كَالِبَ بْنَ يُوقِنَا ثُمَّ حِزْقِيلَ، ثُمَّ لَمَّا قَبَضَ اللَّهُ حِزْقِيلَ النَّبِيَّ عَظُمَتِ الْأَحْدَاثُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَنَسُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ إِلْيَاسَ نَبِيًّا وَتَبِعَهُ الْيَسَعَ وَآمَنَ بِهِ، فَلَمَّا عَتَا عَلَيْهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ يُرِيحَهُ مِنْهُمْ فَقِيلَ لَهُ: اخْرُجْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَمَا استقبلك من شي فَارْكَبْهُ وَلَا تَهَبْهُ. فَخَرَجَ وَمَعَهُ الْيَسَعَ فَقَالَ: يَا إِلْيَاسُ مَا تَأْمُرُنِي. فَقَذَفَ إِلَيْهِ بِكِسَائِهِ مِنَ الْجَوِّ الْأَعْلَى، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ اسْتِخْلَافِهِ إِيَّاهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ. وَقَطَعَ اللَّهُ عَلَى إِلْيَاسَ لَذَّةَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، وَكَسَاهُ الرِّيشَ وَأَلْبَسَهُ النُّورَ، فَطَارَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، فَكَانَ إِنْسِيًّا مَلَكِيًّا سَمَاوِيًّا أَرْضِيًّا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِإِلْيَاسَ "سَلْنِي أُعْطِكَ". قَالَ: تَرْفَعُنِي إِلَيْكَ وَتُؤَخِّرُ عَنِّي مَذَاقَةَ الْمَوْتِ. فَصَارَ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ قَدْ مَرِضَ وَأَحَسَّ الموت فبكى، فأوحى الله إليه: لم تبك؟ حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، أَوْ جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ، أَوْ خَوْفًا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: لَا، وَلَا شي مِنْ هَذَا وَعِزَّتِكَ، إِنَّمَا جَزَعِي كَيْفَ يَحْمَدُكَ الحامدون بعدي ولا أحمدك! ويذكرك الذَّاكِرُونَ بَعْدِي وَلَا أَذْكُرُكَ! وَيَصُومُ الصَّائِمُونَ بَعْدِي وَلَا أَصُومُ! وَيُصَلِّي الْمُصَلُّونَ وَلَا أُصَلِّي. فَقِيلَ لَهُ: "يَا إِلْيَاسُ وَعِزَّتِي لَأُؤَخِّرَنَّكَ إِلَى وَقْتٍ لَا يَذْكُرُنِي فِيهِ ذَاكِرٌ". يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ: إِنَّ إ ليأس وَالْخَضِرَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يَصُومَانِ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي كُلِّ عَامٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يُوَافِيَانِ الْمَوْسِمَ فِي كُلِّ عَامٍ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، إِنَّهُمَا يَقُولَانِ عِنْدَ افْتِرَاقِهِمَا عَنِ الْمَوْسِمِ: مَا شَاءَ اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا يَسُوقُ الْخَيْرَ إِلَّا اللَّهُ، مَا شَاءَ اللَّهُ مَا شَاءَ الله، لا يصر ف السُّوءَ إِلَّا اللَّهُ، مَا شَاءَ اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، مَا يَكُونُ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله، ما شاء الله ما شاء الله، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَقَدْ مَضَى فِي "الْكَهْفِ" [[راجع ج ١١ ص ٤٣ طبعه أولى أو ثانيه.]]. وَذُكِرَ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِفَجِّ النَّاقَةِ عِنْدَ الْحِجْرِ، إِذَا نَحْنُ بِصَوْتٍ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ الْمَرْحُومَةِ، الْمَغْفُورِ لَهَا، الْمَتُوبِ عَلَيْهَا، الْمُسْتَجَابِ لَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا أَنَسُ، انْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ". فَدَخَلْتُ الْجَبَلَ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ، طُولُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ النَّبِيِّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ: هَذَا أَخُوكَ إِلْيَاسُ يُرِيدُ لِقَاءَكَ. فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا مَعَهُ، حَتَّى إِذَا كُنَّا قَرِيبًا مِنْهُ، تَقَدَّمَ النَّبِيَّ ﷺ وتأخرت، فتحدثا طويلا، فنزل عليهما شي مِنَ السَّمَاءِ شِبْهُ السُّفْرَةِ فَدَعَوَانِي فَأَكَلْتُ مَعَهُمَا، فَإِذَا فِيهَا كَمْأَةٌ وَرُمَّانٌ وَكَرَفْسٌ، فَلَمَّا أَكَلْتُ قُمْتُ فَتَنَحَّيْتُ، وَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَاحْتَمَلَتْهُ فَإِذَا أَنَا أنظر إلى بياض ثيابه فيها تهوي، فَقُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! هَذَا الطَّعَامُ الَّذِي أَكَلْنَا أَمِنَ السَّمَاءِ نَزَلَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "سَأَلْتُهُ عَنْهُ فَقَالَ يَأْتِينِي بِهِ جِبْرِيلُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَكْلَةٌ، وَفِي كُلِّ حَوْلٍ شَرْبَةٌ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَرُبَّمَا رَأَيْتُهُ عَلَى الْجُبِّ يَمْلَأُ بِالدَّلْوِ فَيَشْرَبُ وَرُبَّمَا سقاني". قوله تعالى: "إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ" يعنى لبنى إسرائيل. "أَلا تَتَّقُونَ" يعنى الله عز وجل وتخافون عقابه. "أَتَدْعُونَ بَعْلًا" اسم صنم لهم كانوا يعبدونه وبذلك سميت مدينتهم بعلبك. قَالَ ثَعْلَبٌ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وجل ها هنا "بَعْلًا" فقالت طائفة: البعل ها هنا الصنم. وقال طائفة: البعل ها هنا مَلَكٌ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: امْرَأَةٌ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا. وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. وَرَوَى الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَتَدْعُونَ بَعْلًا" قَالَ: صَنَمًا. وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَتَدْعُونَ بَعْلًا" قَالَ: رَبًّا. النَّحَّاسُ: وَالْقَوْلَانِ صَحِيحَانِ، أَيْ أَتَدْعُونَ صَنَمًا عَمِلْتُمُوهُ رَبًّا. يُقَالُ: هَذَا بَعْلُ الدَّارِ أَيْ رَبُّهَا. فَالْمَعْنَى أَتَدْعُونَ رَبًّا اخْتَلَقْتُمُوهُ، وَ "أَتَدْعُونَ" بِمَعْنَى أَتُسَمُّونَ. حَكَى ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: الْبَعْلُ الرَّبُّ بِلُغَةِ الْيَمَنِ. وَسَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَسُومُ نَاقَةً بِمِنًى فَقَالَ: مَنْ بَعْلُ هَذِهِ؟ أَيْ مَنْ رَبُّهَا، وَمِنْهُ سُمِّيَ الزَّوْجُ بَعْلًا. قَالَ أبو دواد [[هكذا في كل نسخ الأصل ونسبه في الكامل لعبد الله بن الزبعرى ورواء كما في المعاجم: يا ليت زوجك في الوغى إلخ وقد مضى للمصنف.]]: ورأيت بعلك في الوغى ... ومتقلدا سَيْفًا وَرُمْحَا مُقَاتِلٌ: صَنَمٌ كَسَّرَهُ إِلْيَاسُ وَهَرَبَ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: كَانَ مِنْ ذَهَبٍ وَكَانَ طُولُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، فُتِنُوا بِهِ وَعَظَّمُوهُ حَتَّى أَخْدَمُوهُ أَرْبَعَمِائَةِ سَادِنٍ وَجَعَلُوهُمْ أَنْبِيَاءَهُ، فَكَانَ الشَّيْطَانُ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ بَعْلٍ وَيَتَكَلَّمُ بِشَرِيعَةِ الضَّلَالَةِ، وَالسَّدَنَةُ يَحْفَظُونَهَا وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ، وَهُمْ أَهْلُ بَعْلَبَكَّ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ. وَبِهِ سُمِّيَتْ مَدِينَتُهُمْ بَعْلَبَكَّ كَمَا ذَكَرْنَا. "وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ" أَيْ أَحْسَنُ مَنْ يُقَالُ لَهُ خَالِقٌ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَحْسَنُ الصَّانِعِينَ، لِأَنَّ النَّاسَ يَصْنَعُونَ وَلَا يخلقون ن. "اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ" بِالنَّصْبِ فِي الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ قَرَأَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ. وَإِلَيْهَا يَذْهَبُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهَا عَلَى النَّعْتِ. النَّحَّاسُ: وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَدَلِ وَلَا يجوز النعت ها هنا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَخْلِيَةٍ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ بِالرَّفْعِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: بِمَعْنَى هُوَ اللَّهُ رَبُّكُمْ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَأَوْلَى مِمَّا قَالَ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ بِغَيْرِ إِضْمَارٍ وَلَا حَذْفٍ. وَرَأَيْتُ عَلِيَّ بن سليمان يذهب إلى أن الرفع أَوْلَى وَأَحْسَنُ، لِأَنَّ قَبْلَهُ رَأْسَ آيَةٍ فَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى. ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مَنْ نَصَبَ أَوْ رَفَعَ لَمْ يَقِفْ عَلَى "أَحْسَنَ الْخالِقِينَ" عَلَى جِهَةِ التَّمَامِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُتَرْجَمٌ عَنْ "أَحْسَنَ الْخالِقِينَ" مِنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ أَخْبَرَ عَنْ قَوْمِ إِلْيَاسَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوهُ. "فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ" أَيْ فِي الْعَذَابِ. "إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ" أَيْ مِنْ قَوْمِهِ فَإِنَّهُمْ نَجَوْا من العذاب. وقرى "الْمُخْلِصِينَ" بِكَسْرِ اللَّامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. "وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ" تَقَدَّمَ. "سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ" قِرَاءَةُ الْأَعْرَجِ وَشَيْبَةَ وَنَافِعٍ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "سَلَامٌ عَلَى الْيَاسِينَ". وَقَرَأَ الْحَسَنُ: "سَلَامٌ عَلَى الْيَاسِينَ" بِوَصْلِ الْأَلْفِ كَأَنَّهَا يَاسِينُ دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ الَّتِي لِلتَّعْرِيفِ. وَالْمُرَادُ إِلْيَاسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَلَيْهِ وَقَعَ التَّسْلِيمُ وَلَكِنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ. وَالْعَرَبُ تَضْطَرِبُ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْأَعْجَمِيَّةِ وَيَكْثُرُ تَغْيِيرُهُمْ لَهَا. قَالَ ابْنُ جِنِّي: الْعَرَبُ تَتَلَاعَبُ بِالْأَسْمَاءِ الْأَعْجَمِيَّةِ تلاعبا، فياسين وإلياس وإلياسين شي وَاحِدٌ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَكَانَ حَمْزَةُ إِذَا وَصَلَ نَصَبَ وإذا وقف رفع. وقرى: "عَلَى إِلْيَاسِينَ" وَ "إِدْرِيسِينَ وَإِدْرَسِينَ وَإِدْرَاسِينَ" عَلَى أَنَّهَا لُغَاتٌ فِي إِلْيَاسَ وَإِدْرِيسَ. وَلَعَلَّ لِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَالنُّونِ فِي السُّرْيَانِيَّةِ مَعْنًى. النَّحَّاسُ: وَمَنْ قَرَأَ: "سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ" فَكَأَنَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ جَعَلَ اسْمَهُ إِلْيَاسَ وَيَاسِينَ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى آلِهِ، أَيْ أَهْلِ دِينِهِ وَمَنْ كَانَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ عَلَى آلِهِ مِنْ أَجْلِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي السَّلَامِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى" وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ﴾ [غافر: ٤٦]. وَمَنْ قَرَأَ "إِلْيَاسِينَ" فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ غَيْرُ قَوْلٍ. فروى هرون عَنِ ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: إِلْيَاسِينَ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ لَهُ. وَأَبُو عُبَيْدَةَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُ جَمْعٌ جَمَعَ التَّسْلِيمَ عَلَى أَنَّهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ سُلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْشَدَ: قدني من نصر الخبيبين قدي» يُقَالُ: قَدْنِي وَقَدِي لُغَتَانِ بِمَعْنَى حَسْبَ. وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَبَا خُبَيْبٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَجَمَعَهُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى مَذْهَبِهِ دَاخِلٌ مَعَهُ. وَغَيْرُ أَبِي عُبَيْدَةَ يَرْوِيهِ: الْخُبَيْبَيْنِ عَلَى التَّثْنِيَةِ، يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ وَمُصْعَبًا. وَرَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَشْرَحُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، "قَالَ" [[الزيادة من إعراب القرآن لنحاس.]] فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي قَوْمَ الرَّجُلِ بِاسْمِ الرَّجُلِ الْجَلِيلِ مِنْهُمْ، فَيَقُولُونَ: الْمَهَالِبَةُ عَلَى أَنَّهُمْ سَمَّوْا كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِالْمُهَلَّبِ. قَالَ: فَعَلَى هَذَا "سَلَامٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ" سُمِّيَ كُلُّ رَجُلٍ منهم بإلياس. وقد ذكر سيبويه عي كِتَابِهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ هَذَا عَلَى جِهَةِ النِّسْبَةِ، فَيَقُولُونَ: الْأَشْعَرُونَ يُرِيدُونَ بِهِ النَّسَبَ. الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ قرأ "إلياسين" فهو جمع يدل فِيهِ إِلْيَاسُ فَهُوَ جَمْعُ إِلْيَاسِيٍّ فَحُذِفَتْ يَاءُ النسبة، كما حذفت ياء النسبة في جميع الْمُكَسَّرِ فِي نَحْوِ الْمَهَالِبَةِ فِي جَمْعِ مُهَلَّبِيٍّ، كَذَلِكَ حُذِفَتْ فِي الْمُسَلَّمِ فَقِيلَ الْمُهَلَّبُونَ. وَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ: الْأَشْعَرُونَ وَالنُّمَيْرُونَ يُرِيدُونَ الْأَشْعَرِيِّينَ وَالنُّمَيْرِيِّينَ. السُّهَيْلِيُّ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ بَلْ هِيَ لُغَةٌ فِي إِلْيَاسَ، وَلَوْ أَرَادَ مَا قَالُوهُ لَأَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ كَمَا تَدْخُلُ فِي الْمَهَالِبَةِ وَالْأَشْعَرِيِّينَ، فَكَانَ يَقُولُ: "سَلَامٌ عَلَى الْإِلْيَاسِينَ" لِأَنَّ الْعَلَمَ إِذَا جُمِعَ يُنَكَّرُ حَتَّى يُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، لَا تَقُولُ: سَلَامٌ عَلَى زَيْدِينَ، بَلْ عَلَى الزَّيْدِينَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ. فَإِلْيَاسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ. النَّحَّاسُ: وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ فِي قِرَاءَتِهِ "سَلَامٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ" وَأَنَّهُ اسْمُهُ كَمَا أَنَّ اسْمَهُ إِلْيَاسُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي السُّورَةِ سَلَامٌ عَلَى "آلِ" لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ، فَكَمَا سُمِّيَ الْأَنْبِيَاءُ كَذَا سُمِّيَ هُوَ. وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ أَصْلُهُ لِأَبِي عَمْرٍو وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، لِأَنَّا بَيَّنَّا قَوْلَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ عَلَى آلِهِ مِنْ أَجْلِهِ فَهُوَ سَلَامٌ عَلَيْهِ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ اسْمَهُ "إِلْيَاسِينَ" يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَرِوَايَةٍ، فَقَدْ وَقَعَ فِي الْأَمْرِ إِشْكَالٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَرَأَ الْحَسَنُ "سَلَامٌ عَلَى يَاسِينَ" بِإِسْقَاطِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُمْ آلُ يَاسِينَ، فَعَلَى هَذَا فِي دُخُولِ الزِّيَادَةِ فِي يَاسِينَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا زِيدَتْ لِتَسَاوِي الْآيِ، كَمَا قَالَ في موضع: ﴿طُورِ سَيْناءَ﴾ [المؤمنون: ٢٠] وفي موضع آخر ﴿طُورِ سِينِينَ﴾ [التين: ٢] فعلى هذا يكون السَّلَامُ عَلَى أَهْلِهِ دُونَهُ، وَتَكُونُ الْإِضَافَةُ إِلَيْهِ تَشْرِيفًا لَهُ. الثَّانِي: أَنَّهَا دَخَلَتْ لِلْجَمْعِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي جُمْلَتِهِمْ فَيَكُونُ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ آلُ يَاسِينَ آلُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَنَزَعَ إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي تَفْسِيرِ "يس" يَا مُحَمَّدُ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَبْطُلُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ سِيَاقَةَ الْكَلَامِ فِي قِصَّةِ إِلْيَاسِينَ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كَمَا هِيَ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَنُوحٍ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَأَنَّ التَّسْلِيمَ رَاجِعٌ عَلَيْهِمْ، وَلَا مَعْنَى لِلْخُرُوجِ عَنْ مَقْصُودِ الْكَلَامِ لِقَوْلٍ قِيلَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ الْأُخْرَى مَعَ ضَعْفِ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَيْضًا، فَإِنَّ "يس" و "لَحْمَ" وَ "الم" وَنَحْوَ ذَلِكَ الْقَوْلُ فِيهَا وَاحِدٌ، إِنَّمَا هِيَ حُرُوفٌ مُقَطَّعَةٌ، إِمَّا مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِمَّا مِنْ صِفَاتِ الْقُرْآنِ، وَإِمَّا كَمَا قَالَ الشَّعْبِيُّ: لِلَّهِ فِي كُلِّ كِتَابٍ سِرٌّ، وَسِرُّهُ فِي الْقُرْآنِ فَوَاتِحُ الْقُرْآنِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ" وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا "يس". وَأَيْضًا فَإِنَّ "يس" جَاءَتِ التِّلَاوَةُ فِيهَا بِالسُّكُونِ وَالْوَقْفِ، ولو كان اسما للنبي صلى ﷺ لقال: "يسن" بِالضَّمِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ [يوسف: ٤٦] وَإِذَا بَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَ "إِلْيَاسِينَ" هُوَ إِلْيَاسُ الْمَذْكُورُ وَعَلَيْهِ وَقَعَ التَّسْلِيمُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: هُوَ مِثْلُ إِدْرِيسَ وَإِدْرَاسِينَ، كَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ. "وَإِنَّ إِدْرِيسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" ثُمَّ قَالَ: "سَلَامٌ عَلَى إِدْرَاسِينَ". "إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ" تقدم [[راجع ج ٧ ص ٢٤٥ وج ٩ ص ٧٥ وما بعدها طبعه أولى أو ثانيه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب