الباحث القرآني
هُوَ حَبِيبُ بْنُ مُرِّيٍّ وَكَانَ نَجَّارًا. وَقِيلَ: إِسْكَافًا. وَقِيلَ: قَصَّارًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ ومقاتل: هو حبيب ابن إِسْرَائِيلَ النَّجَّارُ وَكَانَ يَنْحِتُ الْأَصْنَامَ، وَهُوَ مِمَّنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَبَيْنَهُمَا سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ، كَمَا آمَنَ بِهِ تُبَّعٌ الْأَكْبَرُ وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَغَيْرُهُمَا. وَلَمْ يُؤْمِنْ بِنَبِيٍّ أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ. قَالَ وَهْبٌ: وَكَانَ حَبِيبٌ مَجْذُومًا، وَمَنْزِلُهُ عِنْدَ أَقْصَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَعْكُفُ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ سَبْعِينَ سَنَةً يَدْعُوهُمْ، لَعَلَّهُمْ يَرْحَمُونَهُ وَيَكْشِفُونَ ضُرَّهُ فَمَا اسْتَجَابُوا لَهُ، فَلَمَّا أَبْصَرَ الرُّسُلَ دَعَوْهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ فَقَالَ: هَلْ مِنْ آيَةٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ نَدْعُو رَبَّنَا الْقَادِرَ فَيُفَرِّجُ عَنْكَ ما بك. فقال: إن هذا لعجب لي، أَدْعُو هَذِهِ الْآلِهَةَ سَبْعِينَ سَنَةً تُفَرِّجُ عَنِّي فَلَمْ تَسْتَطِعْ، فَكَيْفَ [[الزيادة من تفسير الآلوسي.]] يُفَرِّجُهُ رَبُّكُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ رَبُّنَا عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ، وَهَذِهِ لَا تَنْفَعُ شَيْئًا وَلَا تَضُرُّ. فَآمَنَ وَدَعَوْا رَبَّهُمْ فَكَشَفَ اللَّهُ مَا بِهِ، كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، فَحِينَئِذٍ أَقْبَلَ على التكسب، فإذا أم سى تَصَدَّقَ بِكَسْبِهِ، فَأَطْعَمَ عِيَالَهُ نِصْفًا وَتَصَدَّقَ بِنِصْفٍ، فَلَمَّا هَمَّ قَوْمُهُ بِقَتْلِ الرُّسُلِ جَاءَهُمْ. فَ "قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ" الآية قال قَتَادَةُ: كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي غَارٍ، فَلَمَّا سَمِعَ بِخَبَرِ الْمُرْسَلِينَ جَاءَ يَسْعَى، فَقَالَ لِلْمُرْسَلِينَ: أَتَطْلُبُونَ عَلَى مَا جِئْتُمْ بِهِ أَجْرًا؟ قَالُوا: لَا مَا أَجْرُنَا إِلَّا عَلَى اللَّهِ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: فَاعْتَقَدَ صِدْقَهُمْ وَآمَنَ بِهِمْ وَأَقْبَلَ على قومه ف "قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ" أَيْ لَوْ كَانُوا مُتَّهَمِينَ لَطَلَبُوا مِنْكُمُ الْمَالَ "وَهُمْ مُهْتَدُونَ" فَاهْتَدُوا بِهِمْ. "وَما لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي" قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ لَهُ قَوْمُهُ أَنْتَ عَلَى دِينِهِمْ؟! فَقَالَ: "وَما لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي" أي خلقني. "وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" وَهَذَا احْتِجَاجٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ. وَأَضَافَ الْفِطْرَةَ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ نِعْمَةٌ عَلَيْهِ تُوجِبُ الشُّكْرَ، وَالْبَعْثَ إِلَيْهِمْ: لِأَنَّ ذَلِكَ وَعِيدٌ يَقْتَضِي الزَّجْرَ، فَكَانَ إِضَافَةُ النِّعْمَةِ إِلَى نَفْسِهِ أَظْهَرَ شُكْرًا، وَإِضَافَةُ الْبَعْثِ إِلَى الْكَافِرِ أَبْلَغُ أَثَرًا. "أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً" يَعْنِي أَصْنَامًا. "إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ" يَعْنِي مَا أَصَابَهُ مِنَ السَّقَمِ. "لَا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ" يُخَلِّصُونِي مِمَّا أَنَا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ "إِنِّي إِذاً" يَعْنِي إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ "لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أَيْ خُسْرَانٌ ظَاهِرٌ." إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ "قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: خَاطَبَ الرُّسُلَ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ رَبِّهِمْ، وَمَعْنَى" فَاسْمَعُونِ "أَيْ فَاشْهَدُوا، أَيْ كُونُوا شُهُودِي بِالْإِيمَانِ. وَقَالَ كَعْبٌ وَوَهْبٌ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِقَوْمِهِ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الَّذِي كَفَرْتُمْ بِهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا قَالَ لقومه" اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً "رَفَعُوهُ إِلَى الْمَلِكِ وَقَالُوا: قَدْ تَبِعْتَ عَدُوَّنَا، فَطَوَّلَ مَعَهُمُ الْكَلَامَ لِيَشْغَلَهُمْ بِذَلِكَ عَنْ قَتْلِ الرُّسُلِ، إِلَى أَنْ قَالَ:" إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ" فَوَثَبُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَطَئُوهُ بِأَرْجُلِهِمْ حَتَّى خَرَجَ قَصَبُهُ [[القصب المعى.]] مِنْ دُبُرِهِ، وَأُلْقِيَ فِي بِئْرٍ وَهِيَ الرَّسُّ وَهُمْ أَصْحَابُ الرَّسِّ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرُّسُلَ الثَّلَاثَةَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ رَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي حَتَّى قَتَلُوهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: حَفَرُوا حُفْرَةً وَجَعَلُوهُ فِيهَا، وَرَدَمُوا فَوْقَهُ التُّرَابَ فَمَاتَ رَدْمًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: حَرَّقُوهُ حَرْقًا، وَعَلَّقُوهُ مِنْ سُورِ الْمَدِينَةِ وَقَبْرُهُ فِي سُورِ أَنْطَاكِيَةَ، حَكَاهُ الثعلبي. قال الْقُشَيْرِيُّ: وَقَالَ الْحَسَنُ لَمَّا أَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يَقْتُلُوهُ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ لَا يَمُوتُ إِلَّا بِفَنَاءِ السَّمَاءِ وَهَلَاكِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا أَعَادَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أُدْخِلَهَا. وَقِيلَ: نَشَرُوهُ بِالْمِنْشَارِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا خَرَجَتْ رُوحُهُ إِلَّا إِلَى الْجَنَّةِ فدخلها، فذلك قوله: "قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ" وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَعْنَى "قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ" وَجَبَتْ لَكَ الْجَنَّةُ، فَهُوَ خَبَرٌ بِأَنَّهُ قَدِ اسْتَحَقَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ: لِأَنَّ دُخُولَهَا يُسْتَحَقُّ بَعْدَ الْبَعْثِ.
قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ قِيلَ لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ. قَالَ قَتَادَةُ: أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَهُوَ فِيهَا حَيٌّ يُرْزَقُ، أَرَادَ قول تَعَالَى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [آلِ عِمْرَانَ] بَيَانُهُ [[راجع ج ٤ ص ٢٦٨ وما بعدها طبعه أولى أو ثانيه.]]. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ مُرَتَّبٌ عَلَى تَقْدِيرِ سُؤَالِ سَائِلٍ عَمَّا وُجِدَ مِنْ قَوْلٍ عِنْدَ ذَلِكَ الْفَوْزِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ "بِما غَفَرَ لِي رَبِّي" وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ "وقرى" من المكرمين "وفي معنى تمنيه قولان: أحد هما أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ يَعْلَمُوا بِحَالِهِ لِيَعْلَمُوا حُسْنَ مَآلِهِ وَحَمِيدَ عَاقِبَتِهِ. الثَّانِي تَمَنَّى ذَلِكَ لِيُؤْمِنُوا مِثْلَ إِيمَانِهِ فَيَصِيرُوا إِلَى مِثْلِ حَالِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَصَحَ قَوْمَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا. رَفَعَهُ الْقُشَيْرِيُّ فَقَالَ: وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ" إِنَّهُ نَصَحَ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ". وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: سُبَّاقُ الْأُمَمِ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَكْفُرُوا بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ، وَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، وَصَاحِبُ يس، فَهُمُ الصِّدِّيقُونَ. ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَظِيمٌ، وَدَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ كَظْمِ الْغَيْظِ، وَالْحِلْمِ عَنْ أَهْلِ الْجَهْلِ، وَالتَّرَؤُّفِ عَلَى مَنْ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي غِمَارِ الْأَشْرَارِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ، وَالتَّشَمُّرِ فِي تَخْلِيصِهِ، وَالتَّلَطُّفِ فِي افْتِدَائِهِ، وَالِاشْتِغَالِ بِذَلِكَ عَنِ الشَّمَاتَةِ بِهِ وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى كَيْفَ تَمَنَّى الْخَيْرَ لِقَتَلَتِهِ، وَالْبَاغِينَ لَهُ الْغَوَائِلَ وَهُمْ كَفَرَةٌ عَبَدَةُ أَصْنَامٍ، فَلَمَّا قُتِلَ حَبِيبٌ غَضِبَ اللَّهُ لَهُ وَعَجَّلَ النِّقْمَةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَمَرَ جِبْرِيلَ فَصَاحَ بِهِمْ صَيْحَةً فَمَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: "وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ" أَيْ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ من رسالة ولا نبي بعد قتله، قال قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ. قَالَ الْحَسَنُ: الْجُنْدُ الْمَلَائِكَةُ النَّازِلُونَ بِالْوَحْيِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ. وَقِيلَ: الْجُنْدُ الْعَسَاكِرُ، أَيْ لَمْ أَحْتَجْ فِي هَلَاكِهِمْ إِلَى إِرْسَالِ جُنُودٍ وَلَا جُيُوشٍ وَلَا عَسَاكِرَ بَلْ أُهْلِكُهُمْ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ. فَقَوْلُهُ: "وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ" تَصْغِيرٌ لِأَمْرِهِمْ، أَيْ أَهْلَكْنَاهُمْ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، أَوْ مِنْ بَعْدِ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ. وَقِيلَ: "وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ" عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ.
الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ أَنْزَلَ الْجُنُودَ مِنَ السَّمَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ وَالْخَنْدَقِ؟ فَقَالَ: "فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها" [الأحزاب ٩]، وقال: "بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ" [آل عمران: ٢٤ ١]. ﴿بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥]. قُلْتُ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِي مَلَكٌ وَاحِدٌ، فَقَدْ أُهْلِكَتْ مَدَائِنُ قَوْمِ لُوطٍ بِرِيشَةٍ مِنْ جَنَاحِ جِبْرِيلَ، وَبِلَادُ ثَمُودَ وَقَوْمُ صَالِحٍ بِصَيْحَةٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ فَضَّلَ مُحَمَّدًا ﷺ بكل شي عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَأُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ فَضْلًا عَنْ حَبِيبٍ النَّجَّارِ، وَأَوْلَاهُ مِنْ أَسْبَابِ الْكَرَامَةِ وَالْإِعْزَازِ مَا لَمْ يُولِهِ أَحَدًا، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَنْزَلَ لَهُ جُنُودًا مِنَ السَّمَاءِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: "وَما أَنْزَلْنا". "وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ" إِلَى أَنَّ إِنْزَالَ الْجُنُودِ مِنْ عَظَائِمِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يُؤَهَّلُ لَهَا إِلَّا مِثْلُكَ، وَمَا كُنَّا نَفْعَلُ لِغَيْرِكَ. "إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً" قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ "واحِدَةً" بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ مَا كَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْرَجُ: "صَيْحَةٌ" بِالرَّفْعِ هُنَا، وَفِي قَوْلِهِ: "إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ" جَعَلُوا الْكَوْنَ بِمَعْنَى الْوُقُوعِ وَالْحُدُوثِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِمْ إِلَّا صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ. وَأَنْكَرَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو حَاتِمٍ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ بِسَبَبِ التَّأْنِيثِ فَهُوَ ضَعِيفٌ، كَمَا تَكُونُ مَا قَامَتْ إِلَّا هِنْدٌ ضَعِيفًا مِنْ حَيْثُ كَانَ الْمَعْنَى مَا قَامَ أَحَدٌ إِلَّا هِنْدٌ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: فَلَوْ كَانَ كَمَا قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ لَقَالَ: إِنْ كَانَ إِلَّا صَيْحَةٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: لا يمتنع شي مِنْ هَذَا، يُقَالُ: مَا جَاءَتْنِي إِلَّا جَارِيَتُكَ، بِمَعْنَى مَا جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ أَوْ جَارِيَةٌ إِلَّا جَارِيَتُكَ. وَالتَّقْدِيرُ فِي الْقِرَاءَةِ بِالرَّفْعِ مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: الْمَعْنَى إِنْ كَانَتْ عَلَيْهِمْ صَيْحَةٌ إِلَّا صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدَّرَهُ غَيْرُهُ: مَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ إِلَّا صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ. وَكَانَ بِمَعْنَى وَقَعَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَرَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ- وَيُقَالُ إِنَّهُ فِي حَرْفِ عبد الله كذلك- "إن كانت إلا زقه واحذ". وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْمُصْحَفِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللُّغَةَ الْمَعْرُوفَةَ زَقَا يَزْقُو إِذَا صَاحَ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ: أَثْقَلُ مِنَ الزَّوَاقِي، فَكَانَ يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ زِقْوَةً. ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ.
قُلْتُ: وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الزَّقْوُ وَالزَّقْيُ مَصْدَرٌ، وَقَدْ زَقَا الصَّدَى يَزْقُو زُقَاءً: أَيْ صَاحَ، وَكُلُّ صَائِحٍ زَاقٍ، وَالزِّقْيَةُ الصَّيْحَةُ. قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا يقال: زقوة وزقية لغتان، فالقراء صَحِيحَةٌ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. "فَإِذا هُمْ خامِدُونَ" أَيْ مَيِّتُونَ هَامِدُونَ، تَشْبِيهًا بِالرَّمَادِ الخامد. وقال قتادة: هلكى. والمعنى واحد.
{"ayahs_start":20,"ayahs":["وَجَاۤءَ مِنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِینَةِ رَجُلࣱ یَسۡعَىٰ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُوا۟ ٱلۡمُرۡسَلِینَ","ٱتَّبِعُوا۟ مَن لَّا یَسۡـَٔلُكُمۡ أَجۡرࣰا وَهُم مُّهۡتَدُونَ","وَمَا لِیَ لَاۤ أَعۡبُدُ ٱلَّذِی فَطَرَنِی وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ","ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِۦۤ ءَالِهَةً إِن یُرِدۡنِ ٱلرَّحۡمَـٰنُ بِضُرࣲّ لَّا تُغۡنِ عَنِّی شَفَـٰعَتُهُمۡ شَیۡـࣰٔا وَلَا یُنقِذُونِ","إِنِّیۤ إِذࣰا لَّفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ","إِنِّیۤ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمۡ فَٱسۡمَعُونِ","قِیلَ ٱدۡخُلِ ٱلۡجَنَّةَۖ قَالَ یَـٰلَیۡتَ قَوۡمِی یَعۡلَمُونَ","بِمَا غَفَرَ لِی رَبِّی وَجَعَلَنِی مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِینَ","۞ وَمَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِینَ","إِن كَانَتۡ إِلَّا صَیۡحَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ فَإِذَا هُمۡ خَـٰمِدُونَ"],"ayah":"وَمَا لِیَ لَاۤ أَعۡبُدُ ٱلَّذِی فَطَرَنِی وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق