الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ﴾ فيه أربه مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "فُراتٌ" حُلْوٌ، و "أُجاجٌ" مُرٌّ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ: "هَذَا مَلِحَ أُجَاجٌ" بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَأَمَّا الْمَالِحُ فَهُوَ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الْمِلْحُ. وَقَرَأَ عِيسَى وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ "سَيِّغٌ شَرَابُهُ" مِثْلَ سَيِّدٍ وميت. لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَقَدْ مَضَى فِي "النَّحْلِ" الْكَلَامُ فِيهِ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) مَذْهَبُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ الْحِلْيَةَ إِنَّمَا تُسْتَخْرَجُ مِنَ الْمِلْحِ، فَقِيلَ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِطَانِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا تُسْتَخْرَجُ الْأَصْدَافُ الَّتِي فِيهَا الْحِلْيَةُ مِنَ الدُّرِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا الْعَذْبُ وَالْمِلْحُ نَحْوِ الْعُيُونِ، فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْهُمَا، لِأَنَّ فِي الْبَحْرِ عُيُونًا عَذْبَةً، وَبَيْنَهُمَا يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ عِنْدَ التَّمَازُجِ. وقيل: مِنْ مَطَرِ السَّمَاءِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ قَوْلًا رَابِعًا، قَالَ: إِنَّمَا تُسْتَخْرَجُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمِلْحِ خَاصَّةً. النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَحْسَنُهَا وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَهُ، لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِطَانِ، وَلَكِنْ جَمْعًا ثَمَّ أَخْبَرَ عن أحدهما كما قال عز وجل: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص: ٧٣]. وَكَمَا تَقُولُ: لَوْ رَأَيْتَ الْحَسَنَ وَالْحَجَّاجَ لَرَأَيْتَ خَيْرًا وَشَرًّا. وَكَمَا تَقُولُ: لَوْ رَأَيْتَ الْأَعْمَشَ وَسِيبَوَيْهِ لَمَلَأْتَ يَدَكَ لُغَةً وَنَحْوًا. فَقَدْ عُرِفَ مَعْنَى هَذَا، وَهُوَ كَلَامٌ فَصِيحٌ كَثِيرٌ، فَكَذَا: "وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها" فَاجْتَمَعَا فِي الْأَوَّلِ وَانْفَرَدَ الْمِلْحُ بِالثَّانِي. الثَّالِثَةُ وَفِي قَوْلِ: "تَلْبَسُونَها"، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لباس كل شي بِحَسَبِهِ، فَالْخَاتَمُ يُجْعَلُ فِي الْإِصْبَعِ، وَالسِّوَارُ فِي الذِّرَاعِ، وَالْقِلَادَةُ فِي الْعُنُقِ، وَالْخَلْخَالُ فِي الرِّجْلِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ قلت لعبيدة: افتراش الحرير كلبسه؟ فال نَعَمْ. وَفِي، الصِّحَاحِ عَنْ أَنَسٍ (فَقُمْتُ عَلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ). الْحَدِيثَ. الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) قَالَ النَّحَّاسُ: أَيْ مَاءَ الْمِلْحِ خَاصَّةً، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ فِيهِمَا. وَقَدْ مَخَرَتِ السَّفِينَةُ تَمْخُرُ إِذَا شَقَّتِ الْمَاءَ. وَقَدْ مَضَى هذا في "النحل". فال مُجَاهِدٌ: التِّجَارَةُ فِي الْفُلْكِ إِلَى الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ: فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي "الْبَقَرَةِ". وَقِيلَ: مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ حِلْيَتِهِ وَيُصَادُ مِنْ حِيتَانِهِ. (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) عَلَى مَا آتَاكُمْ مِنْ فضله. وقيل: على ما أنجاكم من هول.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب