الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً﴾ التَّقْدِيرُ عِنْدَ الْفَرَّاءِ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ عِلْمَ الْعِزَّةِ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْ مَنْ كَانَ يُرِيدُ عِلْمَ الْعِزَّةِ الَّتِي لَا ذِلَّةَ مَعَهَا، لِأَنَّ الْعِزَّةَ إِذَا كَانَتْ تُؤَدِّي إِلَى ذِلَّةٍ فَإِنَّمَا هِيَ تَعَرُضٌ لِلذِّلَّةِ، وَالْعِزَّةُ الَّتِي لَا ذُلَّ مَعَهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. "جَمِيعاً" مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ. وَقَدَّرَ الزَّجَّاجُ مَعْنَاهُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِعِبَادَتِهِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الْعِزَّةَ وَالْعِزَّةُ لَهُ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعِزُّهُ فِي الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا. قُلْتُ وَهَذَا أَحْسَنُ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَلَى مَا يَأْتِي "فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً" ظَاهِرُ هَذَا إِيئَاسُ السَّامِعِينَ مِنْ عِزَّتِهِ، وَتَعْرِيفِهِمْ أَنَّ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ لَا مَطْمَعَ فِيهِ لِغَيْرِهِ، فَتَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ عِنْدَ الْعَالِمِينَ بِهِ سُبْحَانَهُ وَبِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ الْحَقِّ فِي سُورَةِ يُونُسَ: ﴿وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ﴾ [يونس: ٦٥]. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُنَبِّهَ ذَوِي الْأَقْدَارِ وَالْهِمَمِ مِنْ أَيْنَ تُنَالُ الْعِزَّةُ وَمِنْ أَيْنَ تُسْتَحَقُّ، فَتَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ. فَمَنْ طَلَبَ الْعِزَّةَ مِنَ اللَّهِ وَصَدَقَهُ فِي طَلَبِهَا بِافْتِقَارٍ وَذُلٍّ، وَسُكُونٍ وَخُضُوعٍ، وَجَدَهَا عِنْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَيْرَ مَمْنُوعَةٍ وَلَا مَحْجُوبَةٍ عَنْهُ، قَالَ ﷺ: (مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ). وَمَنْ طَلَبَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَكَلَهُ إِلَى مَنْ طَلَبَهَا عِنْدَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ قَوْمًا طَلَبُوا الْعِزَّةَ عِنْدَ مَنْ سِوَاهُ فَقَالَ: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾ [النساء: ١٣٩]. فَأَنْبَأَكَ صَرِيحًا لَا إِشْكَالَ فِيهِ أَنَّ الْعِزَّةَ لَهُ يُعِزُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ. وَقَالَ ﷺ مُفَسِّرًا لِقَوْلِهِ "مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً": (مَنْ أَرَادَ عِزَّ الدَّارَيْنِ فَلْيُطِعِ الْعَزِيزَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:
وَإِذَا تَذَلَّلَتِ الرِّقَابُ تواضعا ... ومنا إِلَيْكَ فَعِزُّهَا فِي ذُلِّهَا
فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ لِيَنَالَ الْفَوْزَ الْأَكْبَرَ، وَيَدْخُلَ دَارَ الْعِزَّةِ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ فَلْيَقْصِدْ بِالْعِزَّةِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَالِاعْتِزَازَ به، فإنه من اعتز بالعبد أذل اللَّهُ، وَمَنِ اعْتَزَّ بِاللَّهِ أَعَزَّهُ اللَّهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ وَتَمَّ الْكَلَامُ. ثُمَّ تَبْتَدِئُ "وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" عَلَى مَعْنَى: يَرْفَعُهُ اللَّهُ، أَوْ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَالصُّعُودُ هُوَ الْحَرَكَةُ إِلَى فَوْقُ، وَهُوَ الْعُرُوجُ أَيْضًا. وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ لِأَنَّهُ عَرَضٌ، لَكِنْ ضُرِبَ صُعُودُهُ مَثَلًا لِقَبُولِهِ، لِأَنَّ مَوْضِعَ الثَّوَابِ فَوْقُ، وَمَوْضِعَ الْعَذَابِ أَسْفَلُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ ارْتَفَعَ الْأَمْرُ إِلَى الْقَاضِي أَيْ عَلِمُهُ، فَهُوَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ. وَخُصَّ الْكَلَامُ وَالطِّبُّ بِالذِّكْرِ لِبَيَانِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ "إِلَيْهِ" أَيْ إِلَى اللَّهِ يَصْعَدُ. وَقِيلَ: يَصْعَدُ إِلَى سَمَائِهِ وَالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَجْرِي فِيهِ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ حُكْمٌ. وَقِيلَ: أَيْ يُحْمَلُ الْكِتَابُ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ طَاعَاتُ الْعَبْدِ إِلَى السَّمَاءِ. وَ "الْكَلِمُ الطَّيِّبُ" هُوَ التَّوْحِيدُ الصَّادِرُ عَنْ عَقِيدَةٍ طَيِّبَةٍ. وَقِيلَ: هُوَ التَّحْمِيدُ وَالتَّمْجِيدُ، وَذِكْرُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ. وَأَنْشَدُوا:
لَا ترض من رجل حلاوة قوله ... وحتى يُزَيِّنَ مَا يَقُولُ فَعَالُ
فَإِذَا وَزَنْتَ فَعَالَهُ بِمَقَالِهِ ... فَتَوَازَنَا فَإِخَاءُ ذَاكَ جَمَالُ
وَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ: قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ، كَثَرِيدٍ بِلَا دَسَمٍ، وَسَحَابٍ بِلَا مَطَرٍ، وَقَوْسٍ بِلَا وَتَرٍ. وَفِيهِ قيل:
لا يكون المقال إلا بفعل ... وكل قَوْلٍ بِلَا فَعَالٍ هَبَاءُ
إِنَّ قَوْلًا بِلَا فعال جميل ... وونكاحا بِلَا وَلِيٍّ سَوَاءُ
وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ "يُصْعِدُ" بِضَمِّ الْيَاءِ. وَقَرَأَ. جُمْهُورُ النَّاسِ "الْكَلِمُ" جَمْعُ كَلِمَةٍ. وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ "الْكَلَامُ". قُلْتُ: فَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا قَدْ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْكَلِمِ وَبِالْعَكْسِ، وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ: أَقْسَامُ الْكَلَامِ ثَلَاثَةٌ، فَوَضَعَ الْكَلَامَ مَوْضِعَ الْكَلِمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. "وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا: الْمَعْنَى وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ. وَفِي الْحَدِيثِ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ قَوْلًا إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا يَقْبَلُ قَوْلًا وَعَمَلًا إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا يَقْبَلُ قَوْلًا وَعَمَلًا وَنِيَّةً إِلَّا بِإِصَابَةِ السُّنَّةِ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ اللَّهَ وَقَالَ كَلَامًا طَيِّبًا وَأَدَّى فَرَائِضَهُ، ارْتَفَعَ قَوْلُهُ مَعَ عَمَلِهِ وإذا قال ابن قَوْلُهُ عَلَى عَمَلِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا قَوْلٌ يَرُدُّهُ مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا يَصِحُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَاصِيَ التَّارِكَ لِلْفَرَائِضِ
إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ وَقَالَ كَلَامًا طَيِّبًا فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ لَهُ مُتَقَبَّلٌ مِنْهُ، وَلَهُ حَسَنَاتُهُ وَعَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَقَبَّلُ مِنْ كُلِّ مَنِ اتَّقَى الشِّرْكَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْكَلَامَ الطَّيِّبَ عَمَلٌ صَالِحٌ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْعَمَلَ هُوَ الرَّافِعُ لِلْكَلِمِ، بِأَنْ يُتَأَوَّلَ أَنَّهُ يَزِيدُهُ فِي رَفْعِهِ وَحُسْنِ مَوْقِعِهِ إِذَا تَعَاضَدَ مَعَهُ. كَمَا أَنَّ صَاحِبَ الْأَعْمَالِ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إِذَا تَخَلَّلَ أَعْمَالَهُ كَلِمٌ طَيِّبٌ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَانَتِ الْأَعْمَالُ أشرف، فيكون قول: "وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" مَوْعِظَةً وَتَذْكِرَةً وَحَضًّا عَلَى الْأَعْمَالِ. وَأَمَّا الْأَقْوَالُ الَّتِي هِيَ أَعْمَالٌ فِي نُفُوسِهَا، كَالتَّوْحِيدِ وَالتَّسْبِيحِ فَمَقْبُولَةٌ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: "إِنَّ كَلَامَ الْمَرْءِ بِذِكْرِ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ لَمْ يَنْفَعْ، لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ فَهُوَ وَبَالٌ عَلَيْهِ. وَتَحْقِيقُ هَذَا: أَنَّ الْعَمَلَ إِذَا وَقَعَ شَرْطًا فِي قَبُولِ الْقَوْلِ أَوْ مُرْتَبِطًا، فَإِنَّهُ لَا قَبُولَ لَهُ إِلَّا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهِ فَإِنَّ كَلِمَهُ الطَّيِّبَ يُكْتَبُ لَهُ، وَعَمَلَهُ السَّيِّئَ يُكْتَبُ عَلَيْهِ، وَتَقَعُ الْمُوَازَنَةُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَحْكُمُ اللَّهُ بِالْفَوْزِ وَالرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ". قُلْتُ: مَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ تَحْقِيقٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الْقَوْلِ الطَّيِّبِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْآثَارِ (أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ نظرت الملائكة إِلَى عَمَلِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ صَعِدَا جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ. مُخَالِفًا وُقِفَ قَوْلُهُ حَتَّى يَتُوبَ مِنْ عَمَلِهِ (. فَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ إِلَى اللَّهِ. وَالْكِنَايَةُ فِي "يَرْفَعُهُ" تَرْجِعُ إِلَى الْكَلِمِ الطَّيِّبِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكِ. وَعَلَى أَنَّ "الْكَلِمُ الطَّيِّبُ" هُوَ التَّوْحِيدُ، فَهُوَ الرَّافِعُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ أَيْ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، فَالْكِنَايَةُ تَعُودُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: "الْكَلِمُ الطَّيِّبُ" الْقُرْآنُ "وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" الْقُرْآنُ. وَقِيلَ: تَعُودُ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، أَيْ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُهُ اللَّهُ عَلَى الْكَلِمِ الطَّيِّبِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ تَحْقِيقُ الْكَلِمِ، وَالْعَامِلُ أَكْثَرُ تَعَبًا مِنَ الْقَائِلِ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ، لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّافِعُ الْخَافِضُ. وَالثَّانِي وَالْأَوَّلُ مَجَازٌ، وَلَكِنَّهُ سَائِغٌ جَائِزٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَاهَا وَأَصَحُّهَا لِعُلُوِّ مَنْ قَالَ بِهِ، وَأَنَّهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْقُرَّاءَ عَلَى رَفْعِ الْعَمَلِ. وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ اللَّهُ، أَوِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، لَكَانَ الِاخْتِيَارُ نِصْفَ الْعَمَلِ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَرَأَهُ مَنْصُوبًا إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ عِيسَى، بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأَهُ أُنَاسٌ "وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُهُ اللَّهُ". وَقِيلَ: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْعِزَّةَ وَعَلِمَ أَنَّهَا تُطْلَبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. الثَّانِيَةُ: ذَكَرُوا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْكَلْبَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ". وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِعُمُومٍ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ، (وَقَدْ دَخَلَ فِي الصلاة بشروطها، فلا يقطعها عليه شي إِلَّا بِثُبُوتِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ، مِنْ مِثْلِ مَا انْعَقَدَتْ بِهِ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ. وَقَدْ تَعَلَّقَ مَنْ رَأَى، ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ) فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَبْيَضِ مِنَ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ؟ فَقَالَ: (إِنَّ الْأَسْوَدَ شَيْطَانٌ) خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. وَقَدْ جَاءَ مَا يُعَارِضُ هَذَا، وَهُوَ مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سأل عمه عن الصلاة يقطعها شي؟ فقال: لا يقطعها شي، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُومُ فَيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ﴾ ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي، (كِتَابِ آدَابِ النُّفُوسِ): حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيِّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: "وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ" قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ الرِّيَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هُمُ الَّذِينَ مَكَرُوا بِالنَّبِيِّ ﷺ لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الذين يعملون السيئات في السَّيِّئَاتِ فِي الدُّنْيَا مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الشِّرْكَ، فَتَكُونُ "السَّيِّئاتِ" مَفْعُولَةً. وَيُقَالُ: بَارَ يَبُورُ إِذَا هَلَكَ وَبَطَلَ. وَبَارَتِ السُّوقُ
أَيْ كَسَدَتْ، وَمِنْهُ: نَعُوذُ بالله من بوار الأيم [[الأيم: التي لا زوج لها.]]
. وقول:" وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً [[راجع ج ١٦ ص ٢٦٩ فما بعد.]]
" [الفتح: ١٢] أَيْ هَلْكَى. وَالْمَكْرُ: مَا عُمِلَ عَلَى سَبِيلِ احتيال وخديعة. وقد مضى في "سبأ" [[راجع ص ٣٠٢ من هذا الجزء.]].
{"ayah":"مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِیعًاۚ إِلَیۡهِ یَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ یَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِینَ یَمۡكُرُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدࣱۖ وَمَكۡرُ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُوَ یَبُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق