الباحث القرآني

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- لَمَّا تَزَوَّجَ زَيْنَبَ قَالَ النَّاسُ: تَزَوَّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ، أَيْ لَيْسَ هُوَ بِابْنِهِ حَتَّى تُحَرَّمَ عَلَيْهِ حَلِيلَتُهُ، وَلَكِنَّهُ أَبُو أُمَّتِهِ فِي التَّبْجِيلِ وَالتَّعْظِيمِ، وَأَنَّ نِسَاءَهُ عَلَيْهِمْ حَرَامٌ. فَأَذْهَبَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا وَقَعَ فِي نُفُوسِ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَعْلَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ أَبَا أَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ. وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، فَقَدْ وُلِدَ لَهُ ذُكُورٌ: إِبْرَاهِيمُ، وَالْقَاسِمُ، وَالطَّيِّبُ، وَالْمُطَهَّرُ، وَلَكِنْ لَمْ يَعِشْ لَهُ ابْنٌ حَتَّى يَصِيرَ رَجُلًا. وَأَمَّا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ فَكَانَا طِفْلَيْنِ، وَلَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ مُعَاصِرَيْنِ لَهُ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ: أَيْ وَلَكِنْ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ. وَأَجَازَا "وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ" بِالرَّفْعِ. وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَبَعْضُ النَّاسِ "وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ" بِالرَّفْعِ، عَلَى مَعْنَى هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ "وَلَكِنَّ" بِتَشْدِيدِ النُّونِ، وَنَصْبِ "رَسُولَ اللَّهِ" عَلَى أَنَّهُ اسْمُ "لكن" والخبر محذوف "وخاتم" قَرَأَ عَاصِمٌ وَحْدَهُ بِفَتْحِ التَّاءِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ بِهِ خُتِمُوا، فَهُوَ كَالْخَاتَمِ وَالطَّابَعِ لَهُمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ التَّاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَتَمَهُمْ، أَيْ جَاءَ آخِرَهُمْ. وَقِيلَ: الْخَاتَمُ وَالْخَاتِمُ لُغَتَانِ، مِثْلُ طَابَعٍ وَطَابِعٍ، وَدَانَقٍ وَدَانِقٍ، وَطَابَقٍ مِنَ اللَّحْمِ وَطَابِقٍ. الثَّالِثَةُ- قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عند جَمَاعَةُ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ [[في ج، ش: (الأئمة).]] خَلَفًا وَسَلَفًا مُتَلَقَّاةٌ عَلَى الْعُمُومِ التَّامِّ مُقْتَضِيَةٌ نَصًّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ ﷺ. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْهِدَايَةِ: مِنْ تَجْوِيزِ الِاحْتِمَالِ فِي أَلْفَاظِ هَذِهِ الْآيَةِ ضعيف. وما ذكره الغزالي فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِالِاقْتِصَادِ، إِلْحَادٌ عِنْدِي، وَتَطَرُّقٌ خَبِيثٌ إِلَى تَشْوِيشِ عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي خَتْمِ مُحَمَّدٍ ﷺ النُّبُوَّةَ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْهُ! وَاللَّهُ الْهَادِي بِرَحْمَتِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ). قَالَ أَبُو عُمَرَ: يَعْنِي الرُّؤْيَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْهَا، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ). وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ "مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ نَبِيًّا خَتَمَ النَّبِيِّينَ". قَالَ الرُّمَّانِيُّ: خُتِمَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الِاسْتِصْلَاحُ، فَمَنْ لَمْ يَصْلُحْ بِهِ فَمَيْئُوسٌ مِنْ صَلَاحِهِ. قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ. مِنْهَا وَيَقُولُونَ لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ! - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ- فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ جِئْتُ فَخَتَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ (. وَنَحْوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، غَيْرَ أَنَّهُ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين).
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب